وقد أفاد ابن القيم تلميذ ابن تيمية في الصواعق المرسلة (3/ 1078 - 1079) أن شيخه رد على هذا الجدل المحدث ــ الجست ــ فقال: (ثم إنه خرج مع هذا الشيخ المتأخر المعارض بين العقل والنقل أشياء لم تكن تعرف قبله: جست العميدي وحقائق ابن عربي وتشكيكات الرازي وقام سوق الفلسفة والمنطق ... فأقام الله لدينه شيخ الإسلام أبا العباس ابن تيمية قدس الله روحه فأقام على غزوهم مدة حياته باليد والقلب واللسان وكشف للناس باطلهم وبين تلبيسهم وتدليسهم وقابلهم بصريح المعقول وصحيح المنقول وشفى واشتفى .. ).
وهذا العميدي هو الذي أشار إليه المصنف في كتابنا (التنبيه: 634) () بقوله: (ذكر المُبَرِّز في جملة الأدلة التي يستدل بها دليلاً سماه البرهان).
وهذا النقل موجود في كتاب العميدي (مخطوط).
فإذا علمنا ذلك كله فإن برهان الدين النسفي (ت687) صاحب (الفصول) من أصحاب هذا الجدل المحدث الذين سلكوا مسلك العميدي كما نص عليه ابن خلدون في المقدمة: 507.
وكتابنا هذا رد عليه.
ولننظر الآن إلى هذه النصوص في أثناء الكتاب:
ص260 (وإنما حاققنا فيها .. الجدليين أصحاب الجدل المحدث).
ص328 (كما يفعله هؤلاء أرباب الجدل المحدث).
ص330 (أصحاب هذا الجدل).
ص401 (أهل الجدل المحدث).
فبات واضحًا الآن أن كتابنا هذا رد على أصحاب الجدل المحدث (الجُست ــ طريقة العميدي) متمثلاً في كتاب النسفي (الفصول).
ولنذكر أيضًا بعض المواضع التي تبرهن على أن غرض كتابنا نقض هذه الطريقة في الجدل المحدث المموَّه وتزييفها، لا أنه شرح كسائر الشروح كما ظن بعض المتوهِّمين:
قال شيخ الإسلام ص23: (متى عرفت هذا تبين لك فساد جميع هذا الباب, وأمكنك إبطال نكت هؤلاء الملبسين بأدنى شيء, وعلمت أن العاقل لا يرضاها البتة ولا يستحسن الكلام بمثلها).
وقال ص24: (واعلم أني نبهتُ على فساد هذه النكت لأنها مما اعتمد عليه بعض هؤلاء المموهين المغالطين من الجدليين).
وقال ص98: (وهذا أيضًا من قواعدهم الفاسدة التي يبنون عليها كثيرًا من كلامهم, فيرجحون أحد الخصمين بكثرة دعاويه, كما يرجحونه بإبهام دعواه, ولا يخفى على عاقل أنه باطل).
وقال ص131: (والغرض أن نبين فساد الطريقة الجدلية ... ).
وقال ص134: (هذا كله مبني على محض التحكم بلا مرجح, وعليه مبنى عامة كلام الجدليين المموهين).
وقال) ص358 - 359: (وهو مسلك رديء جدًّا ... وإنما يسلكه من لا خلاق له من المغالطين).
وقال ص388: (فاحذره فإنه باب عظيم من باب أغاليط هؤلاء المغالطين).
ومثل هذا في عشرات المواضع من الكتاب, وهذه إشارة إلى بعضها: (ص16, 28, 36, 39, 43, 62, 63, 64, 84, 90, 92, 172, 178, 190, 199, 204 ـــ 205, 209, 210, 260,,301, 310, 314, 361, 378, 445).
فتبين لكل ذي عينين أن كتابنا ليس شرحًا كباقي الشروح أو حاشية لكتاب الفصول بل هو نقدٌ للكتاب ونقض له، وإبطال لطريقة الجدل المحدث التي انتهجها العميدي (ت606) وتبعه عليها النسفي (ت687) المردود عليه.
وهذا لا يعني أن لا يقع في كلام النسفي وغيره ممن ألف في هذه الطريقة شيءٌ من الحق، بل قد يقع منهم ذلك، بل نص على ذلك شيخ الإسلام في مقدمة الكتاب التي حفظها لنا ابن عبد الهادي (ت744) في ((ترجمة شيخه)): 34 - 35.
قال: (ومع ذلك فلا بد أن يدخل في كلامهم قواعد صحيحة ونكت من أصول الفقه مليحة، لكنهم إنما أخذوا ألفاظها ومبانيها دون حقائقها ومعانيها، بمنزلة ما في الدرهم الزائف من العين، ولولا ذلك لما نفق على من له عين. فلذلك آخذ في تمييز حقه من باطله وحاليه من عاطله .. ).
وهو ما نص عليه أيضًا في أثناء الكتاب ص445 كما سيأتي نقله
القرينة الثالثة: إذا تبين هذا فلننظر إلى مقدمة الكتاب التي حفظها لنا ابن عبد الهادي، ومدى تطابقها مع موضوع المخطوط الذي عثرنا عليه.
إذ سرد شيخ الإسلام في تلك المقدمة تاريخ علم الجدل والمراحل التي مر بها، فذكر المرحلة الأولى والثانية ثم ذكر الثالثة المحدثة فقال:
¥