بعد ذلك توظفت في وزارة الشؤون الدينية، وعُينت بحكم الشهادة الأزهرية التي أحملها إماما خطيبا في مسجد كتشاوة لمدة 3 سنوات، ثم توليت منصب مفتش التعليم القرآني، وكنت أسافر بصفتي مرافقا لقراء القرآن الكريم الجزائريين وأحيانا بصفتي عضوا في لجنة التحكيم، كما في مسابقة إيران. وبقيت في منصب المفتش إلى التسعينيات، وفي 1999 أرسلت ضمن الوفد الديني الذي تُوفده الجزائر للجالية الجزائرية في الخارج، ومنذ 19 مارس 1999 إلى الآن وأنا إمام في بعض المساجد الموجودة بفرنسا.
كيف ترون مستقبل الدراسات القرآنية بالجزائر؟
أنا أدعو إلى إعادة الاعتبار لطريقة التعليم القرآنية القديمة في المعاهد الدينية، وعلى مسؤولي التفتيش القرآني أن يقوموا بواجبهم، وأن يُشجعوا معلمي القرآن في الجزائر على تحفيظ الناس القرآن، بحيث يُشجع كل من ساهم بنشاط معتبر في التحفيظ أن يكون ضمن البعثة الرسمية في الحج، ومن الظلم أن يُعامل الكسول بنفس المقياس الذي يعامل به المجتهد. والوزير لا يمكنه أن يعرف هذه التفاصيل إذا لم ينقلها إليه المفتشون، فعليهم هم أن يعتنوا بهذه الأمور. والقرآن الكريم هو المصل المقويّ، وهو الواقي من كل الأمراض الداخلية والخارجية. ولهذا علينا أن نُرجع للقرآن قيمته الحقيقية، وأن نجعله مادة أساسية للطلبة في المدارس، والاعتناء بالقرآن والعلوم الشرعية ليس من باب الدروشة والخرافة، بل هو شيء أساسي في حياتنا. والطلبة المغاربيون، وخصوصا الجزائريين، كانوا مثالا لقوة حفظ وضبط القرآن الكريم بشهادة علماء الأزهر الشريف. وأكرر وأقول إن على مديري الشؤون الدينية والمفتشين أن يقوموا بدورهم بإخلاص، فبلدنا بلد المليون ونصف المليون شهيد غالية، وويحنا إذا طالبنا الشهداء يوم القيامة بما قدمناه نحن لخدمة هذا البلد الذي سلموه لنا مستقلا سيدا بعدما كان يرسف في قيود العبودية والاستعمار.
والجزائر بلد واحد لا فرق فيه بين منطقة أو أخرى، وكان السي عميروش رحمه الله شديدا تجاه دعاة التفرقة، ولو من حيث لم يشعروا بذلك، فمرة نادى أحد جنوده آخر بقوله: "يا التلمساني"، فغضب عميروش رحمه الله وقال لهم: "أما زلنا في التلمساني والبليدي والبسكري والتارغي"، وأمر بتأديبه حتى يكون عبرة لغيره. وهو الذي كان يحترم الطلبة الأزهريين والمشايخ احتراما كبيرا بحيث أنه كان يُقدّمهم حتى على نفسه.
فاحترام القرآن واحترام أهله هو بداية الطريق الصحيح لبناء جزائر قوية لها مكانة معتبرة بين الأمم.
ما هي السبل الكفيلة بصحوة جزائرية صحيحة بعيدة عن الإفراط والتفريط؟
أولا، ندعو الله تعالى أن يهدي القائمين على شؤون هذا البلد لما فيه خير الجزائر وخير شعبها. ومن خلال شغلي منصب مفتش الشؤون الدينية وتجولي في ربوع الوطن، عاينت الحزازات الموجودة بين المسلمين، فهذا يقبض وهذا لا يقبض، وهذا سلفي وذاك طُرُقي، ولو قامت المؤسسات الإعلامية، وعلى رأسها التلفزيون والإذاعة، بدورها التعليمي والتثقيفي على الوجه الصحيح لما وجدت هذه الخلافات سبيلا عندنا، علما أنه هناك بعض الحصص المفيدة، ولكن يجب تكثيفها بدلا من حشو عقول الناس بالحصص التي تهدم أكثر مما تبني.
إن شعبنا مثل أرضنا .. فلو كانت الأرض في يدي فلاح جيد لأخرجت الكنوز.
والمسجد لا يلعب دوره، فلماذا نهمّش علماء الجزائر الأجلاّء ونترك الساحة خالية من الموجهين والمرشدين من العلماء المتمكّنين، كفضيلة الشيخ محمد شارف والشيخ محمد الطاهر آيت علجت والشيخ عبد الرحمن الجيلالي، ونحوهم من بقايا علماء الجزائر .. وأسلوب الشتم والسب الذي ينتهجه بعض الشباب لن يأتي بنتيجة. والطريق الصحيح إنما يأتي من العلم الصحيح الراسخ الذي يحمله العلماء الراسخون.
كتبها مصطفى فرحات في 10:09 صباحاً:::: أضف تعليق
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[09 - 12 - 06, 03:21 م]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي
ـ[أبو الحسين الزواوي]ــــــــ[09 - 12 - 06, 04:32 م]ـ
وإياك أخي الفاضل
ـ[عبدالرحمن المقري]ــــــــ[28 - 11 - 07, 12:50 ص]ـ
بارك الله فيك أخي مصطفى على هذه المشاركة النافعة، ولا تنسانا بموضوعاتك القيمة التي ألفنا قراءتها في مختلف الجرائد والمواقع.
أخوك الذي تعرفه