[كتب التاريخ الموثوقة]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[21 - 07 - 09, 04:41 ص]ـ
[كتب التاريخ الموثوقة]
ما أكثر ما في الكتب من دس للروايات عن هارون الرشيد، والدولة الأموية، والعباسية، وسيرة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم.
أتمنى منكم أن ترشدوني إلى أفضل وأصح الكتب التي تتحدث عما ذكرت.
الحمد لله
تاريخُ الإسلامِ صفحاتٌ عظيمةٌ من الأحداث والوقائع المتنوعة، اختلطت فيها جوانب السياسة والاجتماع والاقتصاد، وامتزجت بالكثير من العوارض المختلفة أو المتناقضة، فاحتملت لذلك في طبيعتها مادة خصبة استغلها الكثير من أهل الأغراض والأهواء، فلم يتورعوا عن التشويه والتحريف والزيادة والنقصان.
وإذا غضضنا الطرف عن العوامل الخارجية التي أدت إلى وجود الخلل في أحداث التاريخ المروية، وقَصَرْنَا النظرَ على طبيعة المادة المنقولة والمدونة، لوجدنا أن ذلك الخلل يرجع إلى سببين اثنين رئيسين:
السبب الأول: غياب التدوين المباشر للتاريخ مِن قِبَل شهود العيان، ومَن عاصر الأحداث، أو على الأقل غياب الإسناد المقبول لتلك الأحداث، فقد غلب الإرسال والانقطاع بين المدون والراوي وبين الوقائع المروية، ففقدت المنهجية العلمية الركن الرئيس فيها، وغدت أحداث التاريخ نهبة لمن شاء أن يحكي فيها ما يريد، فالكل يكتب ويشارك، سواء أسند أم أرسل.
كما قال الإمام أحمد رحمه الله: " ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير " انتهى. رواه الخطيب في "الجامع" (2/ 162)
وفسره بقوله: المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة، غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها "، وفسرها شيخ الإسلام ابن تيمية بكثرة المراسيل في هذه الأبواب.
والسبب الثاني: غياب الحس النقدي لدى كثير من كُتَّاب التاريخ الأول، فلا تكاد تجد في المؤرخين القدامى من يزيد على الحكاية والرواية، فقد كان هذا سعيهم الأول، ولعلهم أوكلوا النقد بالتصديق أو التكذيب إلى القارئ الذي غالبا ما يتيه بين آلاف الصفحات المسطرة.
ولعل القراءة المجردة في "تاريخ الأمم والملوك" لابن جرير الطبري، وفي "الإمامة والسياسة" المنسوب خطأ لابن قتيبة، وفي "مروج الذهب" لعلي بن الحسين المسعودي، وفي "تاريخ اليعقوبي"، و"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، وفي "العقد الفريد" لابن عبد ربه، وفي "تاريخ التمدن الإسلامي" لجرجي زيدان – لعل القراءة المجردة فيها توقف القارئ على الصورة الحقيقية لقدر التشويه الذي لحق بمصنفات التاريخ ومدوناته.
وانظر للتوسع عن كتب التاريخ المشوهة كتاب "كتب حذر منها العلماء" للشيخ مشهور حسن سلمان، الجزء الثاني.
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/9 - 10):
" وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًّا أو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مَظِنَّةُ الكذب، ومَطِيَّةُ الهَذَر، ولا بد من ردها إلى الأصول، وعرضها على القواعد " انتهى.
والأدوات التي يحتاجها المؤرخ الناقد متنوعة ما بين علم بأحوال الرواة وطبائع الأمم وقواطع العادات والسنن ودقة في الملاحظة والقياس، وذلك ما لا يتوفر إلا في القليل من المؤرخين المتقدمين والمتأخرين.
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/28):
" فإذا يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منها والمختلف، والقيام على أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها وأسباب حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها وأخبارهم، حتى يكون مستوعبا لأسباب كل خبره، وحينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من القواعد والأصول، فإن وافقها وجرى على مقتضاها كان صحيحا، وإلا زيفه واستغنى عنه.
وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك، حتى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما، وأمثالهم من علماء الأمة، وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة، واستخف العوام ومن لا رسوخ له في المعارف مطالعته وحمله والخوض فيه والتطفل عليه، فاختلط المرعي بالهمل، واللباب بالقشر، والصادق بالكاذب، وإلى الله عاقبة الأمور " انتهى.
ونحن وإن كنا نستشعر النقص في التحقيق التاريخي، والنقد المنهجي، إلا أننا لا ننفي وجوده، فقد سطر نقاد العلماء كتبا محققة محكمة، محَّصوا فيها الصادق من الكاذب، والحقيقي من الزائف، فيمكن الاستفادة منها والرجوع إليها، والأهم من ذلك: البناء عليها، ومنها:
"العواصم من القواصم" لأبي بكر ابن العربي المالكي، "البداية والنهاية" لابن كثير، و "الكامل في التاريخ" لابن الأثير، وكتب الحافظ الذهبي عموما: "تاريخ الإسلام" و "سير أعلام النبلاء"، و"العبر" وغيرها.
وهناك أيضا كثير من الدراسات المعاصرة النافعة والمفيدة في هذا المجال، مثل كتاب "التاريخ الإسلامي" للأستاذ محمود شاكر الحرستاني، و "مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري" للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى، وكتب الدكتور محمد علي الصلابي التاريخية ـ بصفة عامة ـ كـ " السيرة النبوية"، وكتبه عن الخلفاء الراشدين، "الدولة الأموية"، "الدولة الفاطمية"، "دولة السلاجقة"، "الدولة العثمانية" وغيرها كثير، وأيضا كتاب "تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة" تأليف الدكتور محمد آمحزون.
ففي هذا الكتب، إن شاء الله، غنية لمن أراد القراءة في التاريخ، خاصة لغير المتخصص في دارسة التاريخ أو العلوم الشرعية.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب ( http://www.islam-qa.com/ar/ref/105660)