[حول كتاب: «طلعة المشترى في ثبوت توبة الزمخشري»!!]
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[21 - 08 - 09, 07:27 م]ـ
للعلامة محمد «الصُّغَيِّر» بن محمد بن عبد الله بن على الإفراني المراكشي، أحد علماء القرن الثاني عشر الهجري، رسالة غريبة بعنوان: «طلعة المشترى في ثبوت توبة الزمخشري» وهي في ورقات، كما وصفها الزركلي وغيره.
وليست مطبوعة حسب علمي!
وقد استهواني عنوانها! وحداني حادي الشوق إلى التطلع إلى مضمونها! ووددت لو وقفت عليها، ريثما أتحقق من أدلة كاتبها في إثبات تلك التوبة المشار إليها!
وناهض ظني: أن قَصَبة رسالته تلك إنما هي قائمة على ذلك الخبر الذي أخبرنا به: الشيخ أبو معاذ صلاح بن محمد المنصوري المصري – إجازة بالمشافهة – عن شيخه عبد العزيز بن الصديق الغماري عن محمد عبد الحي الكتاني عن شيخه عبد الله بن درويش السكري الحنفي عن شيخه عبد الرحمن بن محمد الكزبري عن أبي الفيض محمد مرتضى الزبيدي عن شيخه حسن بن عليّ العجيمي عن شيخه البرهان إبراهيم الميموني عن شيخه الشمس الرملي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن النجم عمر بن فهد عن أبي عبد الله الراعي الأندلسي أنه قال في «شرحه على الآجرُّوميَّة»: «كان شيخنا أبو الحسن علي بن سمعة الأندلسي -رحمه الله تعالى- يقول: شيئان لا يصحان: إسلام إبراهيم بن سهل! وتوبة الزمخشري من الاعتزال!
[ثم قال الراعي]: قلت: وهما في مروياتي. أما إسلام إبراهيم بن سهل: فيغلب علي ظني صحته؛ لمعرفتي بروايته. وأما توبة الزمخشري: فحدثني الشيخ أبو الحسن علي بن سليمان بن دليلة- رحمه الله – عن الشيخ أبي سعيد فرج بن سعيد الخطيب بمدينة «سلا» - وكان عالميْن صالحيْن – أنه وقف بالبلاد المشرقية على محضر ثبوتٍ محكومٌ فيه بتضميين توبة الزمخشري من الاعتزال! فقوي جانب الرواية والحمد لله.».
قلتُ: وهذا الخبر قد ذكره صاحب: «نفح الطيب» ولكن بسياق مختصر.
وليس في هذا الخبر: ما يقضي بثبوت توبة هذا الزمخشري من مذهبه! وقد كان ينبغي على هذا الواقف على ذاك المحضر: أن يذكر تاريخه وبيان ما فيه مفصَّلًا، مع ذكْر كاتب هذا المحضر، وأين كتبه؟ وهل عليه خط التائب أم لا؟ ومن هم هؤلاء الشهود العدول الذين شهدوا على صحته وثبوته؟ ودون إثبات ذلك خرْط القتاد!
ولذلك قال صاحب «أزهار الرياض»: عن الزمخشري «وذكر بعضهم أنه تاب! ويأبى ذلك تصريحه في كشَّافه بما خالف السنة جهارًا؛ فإنه لو صح ذلك لمحاه، أو أشهد على نفسه بالرجوع عما قصده فيه وانْتحاه».
قلتُ: وقد كان جماعة من أهل السنة يعزُّ عليهم أن تكون تلك الأساليب البلاغية، والتوجيهات اللغوية والبيانية، وغيرها من أزمة علوم اللغة العربية، المبثوثة في «تفسير الكشاف»: نابعة من جوف رجل عريق في الاعتزال ومعاندة أهل السنة! فاستروح من استروح منهم إلى اعتماد ذلك الخبر في صحة ثبوت توبة الزمخشري من عقيم مذهبه!
وأنا أرى: أن هذا هو الدافع الحقيقي إزاء محاولة الإفراني في «طلعة المشتري»!
ومن أوابد الزمخشري: قولُه في «كشافه» وهو بصدد التشنيع على أهل السنة في إثباتهم رؤية الرب في الدار الآخرة: «ثم تعجَّب من المتسمِّين بالإسلام! المتسمِّين بأهل السنّة والجماعة: كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبًا!؟. ولا يغرنك تستُّرهم بالبلْكفة [يعني قول أهل السنة: إن الله يُرى في الآخرة بلا كيف]، فإنه من منصوبات أشياخهم! والقول ما قال بعض العدْلية فيهم:
لَجَمَاعَةٌ سَموْا هَواهُمْ سُنَّة ... وَجَمَاعَةٌ حُمْرٌ لَعَمْرِي مُوكَفَه
قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ وَتَخَوَّفُوا ... شَنْعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالبَلْكَفَهْ!».
قلتُ: فأبْدَى من غمرات جهله أُصولًا، وسوَّى على قصبَات تعصُّبه نُصولًا! فمخايل الحمق في تضاعيفها مصقولة، وبعثات الحقائق دونها معقولة!
وهذان البيتان المذكوران: قد عارضهما غير واحد من أهل السنة، وقَسَى بعضهم في معارضته على قائلها وناقلها ومنشدها ببعض ما يستحقون!
وقد أساء الزمخشري الأدب في مواطن من: «كشَّافه» في حق الذات النبوية! بما كان كافيًا لانكفاف مثل التقي السبكي عن إقراء الكشاف حتى موته! وألَّف في بيان ذلك رسالته المشهورة: «سبب الانكفاف عن إقْراء الكشاف».
¥