تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال له ثمامة: العشق جليس ممتع، وَأليفٌ مؤنس، وَصاحب ملك, مسالكُه لطيفة، وَمذاهبه غامضة، وَأحكامه جائرة, ملك الأبدان وَأرواحها, وَالقلوب وَخواطرها, وَالعيون وَنواظرها, وَالعقول وَآراءها, وَأعطى عنان طاعتها, وَقود تصرفها, توارى عَنْ الأبصار مدخله, وَعمِي في القلوب مسلكه, فقال له المأمون: أحسنت وَالله يا ثمامة! وَأمر له بألف دينار. ()

وعن الأصمعي قَالَ: دخلت على هارون الرشيد فقال لي: يا أصمعي إني أرقت ليلتي هذه. فقلت: مم؟ أنام الله عين أمير المؤمنين.

فقال: فكرت في العشق مم هو؟ فلم أقف عليه؛ فصفه لي حتى أخاله جسما مجسما.

قَالَ الأَصْمَعِيّ: لا وَالله ما كان عندي قبل ذلك فيه شيء, فأطرقت مليا؛ ثم قلت: نعم يا سيدي إذا تقادحت الأخلاقُ المتشاكلةُ، وَتمازجت الأرواحُ المتشابهةُ، ألهبت لمح نور ساطع يستضيء به العقلُ, وَتهتز لإشراقه طباعُ الحياة, وَيتصور من ذلك النور خُلُقٌ خاصٌ بالنفس متصل بجوهريتها يسمى العشق.

فقال: أحسنت وَالله يا غلام اعطه وَأعطه وَأعطه، فأعطيت ثلاثين ألف درهم)). ()

قَالَ ابن القيم رحمه الله: ((وَالعِشْقُ داءٌ أعيا الأطباءُ دواؤُه، وَعز عليهم شفاؤه، وَهو لعمر الله الداء العضال وَالسّم القتال الذي ما علق بقلب إلا وَعزّ على الورى خلاصه من إساره، وَلاشتعلت ناره في مهجة إلا وَصعب على الخلق تخليصها من ناره، وَهو أقسام:

تارة يكون كفرًا لمن اتخذ معشوقه نِدًّا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبتُه أعظم من محبة الله في قلبه؟! فهذا عشق لا يُغفر لصاحبه، فَإِنَّهُ من أعظم الشِّرك؛ وَالله لا يغفر أن يشرك به وَإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وَعلامة هذا العشق الشِّركي الكفرى أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على ربه، وَإِذَا تعارض عنده حق معشوقه وحظه وَحق ربه وَطاعته قدم حق معشوقه على حق ربه، وَآثر رضاه على رضاه، وَبذل له أنفس ما يقدر عليه، وَبذل لربه إن بذل أردأَ ما عنده، وَاستفرغ وُسعه في مرضاة معشوقه وَطاعته وَالتقربِ إليه، وَجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل معشوقه من ساعاته، فتأمل حال أكثرِ عُشّاقِ الصُّور تجدها مطابقة لذلك، ثم ضع حالهم في كفة وَتوحيدهم وَإيمانهم في كِفَّة؛ ثم زن وَزنا يرضي الله وَرسوله وَيطابق العدل، وَربما صرح العاشق منهم بأن وَصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه، كما قَالَ العاشق الخبيث:

يَرْتَشِفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ * هُنَّ أَحْلَى فِيهِ مِنْ الْتَّوْحِيدِ

وكما صرح الخبيث الآخر أن وَصله أشهى إليه من رحمة ربه! فعياذا بك اللهم من هذا الخذلان، وَمن هذا الحال قَالَ الشاعر:

وَصْلُكِ أَشْهَى إِلَى فُؤَادِي * مِنْ رَحْمَةِ الْخَالِقِ الْجَلِيلِ

ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشِّرك، وَكثيرٌ منهم يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك عليه قلبه كله فصار عبدًا محضا من كل وَجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبودية مخلوقٍ مثله، فَإِنَّ العبودية هي كمال الحب وَالخضوع، وَهذا قد استغرق قوة حبه وَخضوعه وَذله لمعشوقه، فقد أعطاه حقيقة العبودية، وَلا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم وَمفسدة الفاحشة، فَإِنَّ تلك ذنب كبير لفاعله حكمه حكم أمثاله، وَمفسدة هذا العشق مفسدة الشِّرك، وَكان بعض الشيوخ من العارفين يقول: لئن أبتلى بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إلى من أن أبتلى فيها بعشقٍ يتعبدُ لها قلبي وَيشغله عَن الله)). ()

وقد انقسم النّاس في أمر العشق:

فمنهم من قَالَ: أن هناك من العشق ما هو يأتي رغما عَنْ العبد وَلا يقدر على دفعه، وَلكنه لا يحول بينه وَبين طاعة؛ وَلا يدفعه إلى محرم.

وَمنهم قَالَ: بل هو بإرادة العبد، فَإِنَّ تمكن من البداية تحكم في النهاية.

إلى غير ذلك من الكلام فياحبذا أن تكزن الكنى والألفاب مشروعة واردة عن السلف.

ونسأل الله العظيم لأختنا الفاضلة ولنا أن يرزقنا وإياها الجنة.

ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[23 - 12 - 06, 02:29 ص]ـ

جزاكم الله خيرا على التذكير بهذه الفضيلة التي تميز بها العلماء والمجاهدون .. والربانيون الموصولون بالله تعالى ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير