بيد أن هناك عقبات تعترض الطريق، وبمدى قدرتنا على تحديها تكون جدارتنا بحماية حضارتنا التليدة، وبناء الحضارة الجديدة.
إن العوامل الداخلية في العالم الإسلامي التي تكيد للإسلام كيداً لهي أشد وأنكى من الآتية من الخارج، لأن القادم الخارجي مهما كانت عداوته؛ فهو شيء متوقع، ومن الممكن تفاديه بالسياسة، أو المهادنة، أو الانحناء أمام العاصفة، أو أساليب الحرب الباردة.
أما الداخلية؛ فهي نار هشيم يتسع اشتعالها كلما رُمْتَ إطفاءها، فهي توقد فتناً، وتفرقنا إلى شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون، وهي: الغلو، والتطرف، والنَزعات الإقليمية، والنَزغات الحزبية.
وهي التي تريد بالمسيرة الانحراف عن خطها المستقيم.
فبعضها يحاول تجميدنا على الأوضاع الفاسدة.
وآخر يريد تمييعنا في بوتقة الحضارات المعاصرة.
والذي لا ريب فيه: أن الغلو والتطرف بعيد عن روح الإسلام بُعْدَ المشرقين؛ ذلك لأن الإسلام عقيدة شاملة أصيلة متفاوتة كلياً مع فلسفات الإغريق والبراهمة -الوثنية المشركة-، ولكن الإسلام منفتح –كلياً- على معطيات العقل والعلم، ولا يرضى التقوقع ضمن توابيت القديم.
والتمييع العالي هو الآخر عقبة كؤود، يشكلها الانهزاميون الذين منعتهم التيارات الغربية الشعور بأنفسهم، فراحوا ينظرون إلى واقعهم وكيانهم بعيون مستعارة، فلا يرون إلا مصالح الآخرين، فهم يريدون أن نرفض كل أصيل، لأنه -في زعمهم- السبب المباشر لتخلفنا.
والذي يلفت النظر: أنه كلما اشتد الاحتكاك الغربي بالمسلمين زاد الصراع، واشتدت حدة التطرف والغلو والعنف والإرهاب؛ فالغرب هو مؤجج حركات الغلو والتطرف والإرهاب، ومحتضنها في عقر داره، والساعي بالنميمة السياسية.
وعليه؛ فإن وصف الإسلام بالتطرف والإرهاب بدعة أطلقها الغرب، وأكذوبة روج لها الصهاينة؛ للحدّ من نشاط المسلمين في الدفاع عن الدين والعِرض والأرض.
وعملية إسقاط؛ لأن حياة الغرب قائمة على العنف، والتطرف، والإرهاب، ولا زال الاضطهاد والقتل والتدمير قائماً على مسمع الدنيا وبصرها، لا يرقب في مسلم إلَّاً ولا ذمة، وإن كانوا يُرْضُون المسلمين بأقوالهم ووعودهم: بالتحرير، والتنمية، والديمقراطية {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً} [النساء:120].
ولذلك؛ فالأصولية زَعْمٌ أُلحق بالمسلمين؛ لتجريم العالم الإسلامي، وبخاصة الدول والجماعات التي استعصت على الغرب أن يجرها في فلكه.
لأن الأصولية يعني بها: التجريم، والإرهاب، والوحشية، والدموية، ومجازفة التحضر والتمدن، وفق معناها الكنسي عندما كان الغرب يسبح في عصر الظلمات!!
وكثير من المسلمين ظلوا بين الطرفين؛ كالشاة العائرة بين الصفين، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً؛ ذلك لأن المنحرفين راحوا يشككون في قدرة الإسلام أن يبني حضارة المسلمين الحديثة الأصيلة.
وبما أن الدين لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية واسعة وراسخة؛ فإن المنحرفين عنه لم يقدروا على الهجوم على صلاحية الإسلام، أو إمكانية المسلمين للقيام ببناء حضارة جديدة، بل راحوا ينافقون -كل حسب اتجاهه المتطرف- أيما نفاق.
فبعضهم حاول أن يحصر الدين عند الناس في حدود معينة من السلوك الفردي، وبعض النظم الاجتماعية، أما في المناهج العلمية والقواعد الخلقية؛ فلا بد أن يصبح تابعاً متواضعاً للفلسفة التي يختارونها، كل حسب هواه.
أما النصوص الشرعية المخالفة لهم في نسبتهم هذه؛ فكانت في أيديهم ألين من الحديد بين أصابع داود -عليه الصلاة والسلام-، حيث أخذوا يؤوِّلون فيها، ويحرفون، ويفترون على الله الكذب، وهم هادئون مطمئنون.
وفي الطرف المعاكس تماماً كان الانهزاميون يقومون بدور مماثل؛ ولكن من منطلق مختلف، إذ كانوا يحاولون تجريد الإسلام من روحه الناصعة، ومبادئه الفطرية الصائبة، وتمييع أحكامه المحددة، وتوجيه نصوصه وفق فلسفات الغرب الحديثة، ناسين أو متناسين كل ما في هذه الأخيرة من سلبيات وتناقضات.
وقد بلغ الجهد ببعضهم حداً دعا المسلمين إلى تبني فكرة مناهضة للإسلام تماماً، وباسم الإسلام ذاته، وقالوا: لا يعدو الإسلام أن يكون انتماء قومياً، أو قبلياً، أو عائلياً، فهو ينسجم -أو لا بد أن نجعله ينسجم- مع كل جديد يقتضيه اتجاه المدنية الحديثة.
¥