تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأضافَ المؤلِّف - في ثنايا دارسته [3]- أنه لا يطلب منَ المتَخَصِّص في علْم المخطوطات - بوصْفِه علمًا جامعًا لأكثر من مجال - أن يتقِنَ كلاًّ منها على حدة إتقانَ المتخَصِّص فيها؛ بل حسبه أن يتقنَ جانبًا أو أكثر، وأن يكون على علْمٍ بالخطوط الرئيسة للجوانب الأخرى، فكلُّها تمثِّل محاور هذا العلْم، وكلٌّ منها يؤدِّي دورَه الذي لا غنى عنه، مثَلُها في ذلك مثَلُ أجهزة الجسم المتعَدِّدة، لكلٍّ منها وظيفتُه، ولكن الجسم لا يكونُ سليمًا معافى إلاَّ إذا عملتْ تلك الأجهزة كلها بكفاءةٍ وانسجام مع بعضها.

وفيما يلي نتناوَل بالعرْض المَحَاورَ الستَّة لمفهوم المؤلِّف لعلْم المخطوط العربي:

1 - تاريخ المخطوط العربي:

قرَّر المؤلِّف أنَّ تاريخ المخطوط العربي "لا يُمَثِّل أحدَ أضلاع علْم المخطوط العربي فحسْب، وإنما يُمَثِّل الخلفيَّة التي لا غنى عنها لدارسي المخطوط العربي في أيِّ جانب من جوانبه" [4].

ومَهَّدَ حديثَه عن تاريخ المخطوط بقوله: "مِنَ المعْلُوم أنَّ الكُتُب لا توجَد في أمة من الأمم إلاَّ إذا توافرَتْ لها عناصرُ ثلاثة؛ هي: وجود كتابة وكُتَّاب، ووجود مواد صالِحة لتلقِّي الكتابة وتكوين الكُتُب، ووجود تراث يحرص الناس على تسْجيله واقتنائه" [5]، وأشَارَ إلى توافُر العنْصُرَيْن الأولين لعربِ الجاهلية، أمَّا الثالث: فبَيَّنَ أنه لَم يكُن لهم من تراث غير الشِّعر، وأنه بطبيعته لا يستعْصِي على ذاكرة هذه الأمة الحافظة، وأنه مع بزُوغ فجْرِ الإسلام ظهر تراث عظيم، يستحق الحفظَ والتسجيل؛ كتاب الله المعظَّم، وسنة النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - وما خرج عنهما من عُلُومٍ ومعارفَ.

ويرى المؤلِّف أن القرن الهجري الأول يُمَثِّل فترة الحضانة في تاريخ المخْطوط العربي؛ حيث شهد تدوين المُصْحف، وظهور نقط الإعراب، ومن بعده نقط الإعجام، ومعرفة العرَب للبردي، وأخيرًا ظهور بدايات حركة التأليف والترجمة.

وأما القرن الثاني، فيراه بمثابة فترة الصبا وبواكير الشباب؛ فقد شهِد هذا القرنُ أمورًا أثْرَت المخطوطاتِ العربيةَ؛ أهمها: حركة تدوين الحديث النبوي، ثم المغازي، والتفسير، والفقه، واللغة، ونشاط حركة التأليف والترجمة، وتطوُّر الكتابة العربيَّة بوَضْع علامات الإعراب التي نستخدمها إلى اليوم، ثم معرفة العرَب بالورق وصناعته، والذي مثَّل نقْلة مُهِمَّة في تاريخ المخطوط العربي، وأخيرًا صنْعَة الوراقة وازدهارها.

ثم يَجيء القرنانِ الثالث والرابع كفترة انطلاق واسع المدى في تاريخ المخطوط العربي؛ سواء في حركة التأليف والترْجمة، أو في صناعة الوراقة، مِمَّا أدى إلى نشاط أسواق الكُتُب، وظهور المكْتَبَات العامة والخاصَّة.

ومع القرن الخامس بدأ الوهن يدبُّ في جسد الأمة الإسلامية، وأخذتْ أوصالُها تَتَفَكَّك، وشبَّت الثورات، وظهرتِ الفِتَن، ولم تَسْلم القرون اللاحقة أيضًا من الفِتن الداخلية والغَزْو الخارجي، ولَم يكن مسْتَغْرَبًا أن تأتيَ تلك الصراعاتُ على أعدادٍ هائلة من المخطوطات العربيَّة، سواء بالحرْق أو السلْب، أو غير ذلك.

ويُقبل العصر الحديث حاملاً معه أعدادًا كبيرةً من المخطوطات العربية النفيسة، قد استقَرَّت في مكتبات كثيرٍ منَ الدول الغازية التي تقاسَمَت المنطقة العربية بعد حروب عالمية وإقليميَّة، كما استقرتْ أعدادٌ أخرى في مكتبات الأفراد الذين شغفوا بالشرْق وتراثِه، هذا التُّرَاث الذي بَنَى عليه الغرْبُ حضارتَه الحديثة، أما في الوطن العربي والإسلامي فقد توَزَّعَتْ مُعظم مخطوطات التراث العربي بين مَكْتبات المساجد والمكتبَات الوطنيَّة والجامعيَّة.

2 - صناعة المخطوط (الكيان المادي للمخطوط):

يُعَدُّ هذا المِحْور من أهم محاوِر علم المخطوط، وأقربها لمفهومه، وأكثرها لُصُوقًا بالمخطوط من حيث كونُه مَخْطوطًا.

وصناعة المخطوط تعنِي عند المؤلِّف: "دراسة المخطوط بوصْفِه وعاءً من أوعية المعلومات، أو بعبارة أخرى: دراسة الحالة المادية للمخطوط، ويُطلِق عليها البعضُ مصطلح: الدراسة الكوديكولوجية [6] ".

و (الكوديكولوجية): مصطلح غربي حديث، يعني: علم دراسة الكتاب المخطوط أو صناعته، وهو مرَكَّب من لفظتَيْن: (كودكس) اللاتينية، وتعني: الكتاب المخطوط، و (لوجوس) اليونانيَّة، وتعني: علم أو دراسة [7].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير