تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يحسن ذكره في هذا المقام أن العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله قد وقعت بيده نسخة من هذه المجلة تحتوي بحثاً علمياً كتبه الشيخ محمد رشيد رضا عن كتاب " إحياء علوم الدين " لأبي حامد الغزالي، فأعجبه هذا البحث لما انطوى عليه من نقد علمي، و موازنة بين حسناته و سيئاته، فكان هذا المقال دافعاً له للإنصراف إلى طلب علم الحديث الذي كان فيما بعد فارسه الذي لا يُشقّ له غبار في هذا العصر! معارك المنار الفكرية:

لم يكن طريق الشيخ محمد رشيد رضا و مجلته نحو الصدارة ممهّداً بالورود، خالياً من الأشواك؛ إذ كانت مجلته غرضاً للكثير من السهام بسبب مواقفها التي تبنّتها إزاء العديد من القضايا الشرعية و الفكرية، فتعرّض الشيخ رشيد إلى أعداءٍ كُثُر نازلهم على جبهات مختلفة، يقول الشيخ في هذا الصدد: " أُجاهدُ البدع و المبتدعين، و الدجالين و الخرافيين و المعممين الجامدين، و الملاحدة و الجاحدين، و المستبدين الظالمين، و أفنّد شبهات الماديين، وضلالات دعاة النصرانية المغاوين من غير اعتماد على ملك أو حكومة، أو مظاهرة حزب أو جمعية، أو مساعدة غني بماله، أو كاتب بقلمه " ا هـ. فتعرّضت مجلة المنار إلى هجوم شديد على صفحات مجلة الأزهر في مقالات كتبها الشيخ " يوسف الدجوي " حول قضايا التصوّف و التوسّل و الشفاعة و الإجتهاد، فردّ الشيخ محمد رشيد رضا عليه بمقالات في المنار و في بعض الصحف المصرية اليومية، و جمعها أخيراً في كتاب واحد باسم " المنار و الأزهر ".

وتعرّض أيضاً لهجوم من محسن العاملي و أحمد عارف الزين و عبدالحسين شرف الدين، و ردّ عليهم بسلسلة مقالات في مجلة المنار، و فنّد شبهاتهم و نقضها بأسلوب علمي رصين. وكان للأقباط - بطبيعة الحال - نصيبٌ من الهجوم على الشيخ و مجلته، فقد هاجمته جريدة " مصر " القبطية، و اتهمته بالهجوم على المسيحية و أهلها، و ألبت عليه الإنجليز و الحكومة المصرية.

فتعرّض الشيخ إلى مضايقات من الإنجليز الذين ضغطوا عليه بعدم نشر شيءٍ يمسّ السياسة على خلاف باقي الصحف، بحجة أن المنار مجلة أدبية. و تعرض كذلك إلى مضايقاتهم عند مغادرته إلى الشام، فحاولوا منعه من العودة إلى مصر. وقف المنار من التغريب و الغزو الفكري:

لم يكن الشيخ محمد رشيد رضا متقوقعاً في برجه العاجي، أو منكفئاً حول ذاته، بل كان يتفاعل مع قضايا مجتمعه و ما يعانيه من أدواءٍ فكرية، و ما يتعرّض إليه من هجمات مسعورة يشنّها الأعداء، فوقف من خلال مجلته المنار سدّاً منيعاً في وجه مدّ الغزو الفكري الذي بدأ ينفث سمومه في جسد الأمة الإسلامية عموما، و مصر خصوصا، و تناول بالفضح أساليب التغريب و الغزو الفكري المتترّسة بحِراب الإستعمار الإنجليزي في مصر، و كشف النقاب عن وجهها الشائه القبيح في كل أعداد مجلة المنار إما تصريحاً أو تلميحاً.

و في هذا الصدد يلخّص الدكتور " سامي الكومي " موقفه إزاء الإستعمار وآثاره السلبية في العالم الإسلامي قائلاً: " إعلان حرب لا هوادة فيها على ما اقترن بدخول الأوروبيين إلى مصر و غيرها من البلاد الإسلامية من الإنحلال الخلقي و العادات الضارة، ففي مقال بعنوان " الجيوش الغربية المعنوية في الفتوحات الشرقية يقول: " إن الغرض من الفتوح و الإستعمار تكثير المال و تنمية الثروة، و إن الدول الأوروبية توفّر على نفسها القتال حتى لا اريق دماء أبنائها و تسلّط الأمم الشرقية جيوشاً معنوية أقوى من الجيوش المادية، فأن الأوروبيين ساقوا عليه – الشرق – خمسة فيالق هي الخمر و الميسر و الربا و البغاء و التجارة فنسفوا بذلك ثروته، و قتلوا غيرته و أضعفوا همته و أفسدوا ما كان له من بقايا أدب و دين ". ا هـ.

لهذا لم يكن مفاجئاً أن يقف الشيخ محمد رشيد رضا موقفاً مشرّفاً عندما أطلّت فتنة اللغة العامية برأسها و رفعت عقيرتها النشاز في محاولة خبيثة لطمس الهوية العربية الإسلامية للمجتمع المصري عن طريق محاربة اللغة العربية لقطع أوثق رباط يربط المسلمين في مصر بالقرآن الكريم الذي هو الركن الركين للهوية الإسلامية.

فتولّت بعض المجلات ذات النزعة التغريبية كِبْر هذه الخطة الهدّامة كمجلة " المقتطف "، و " المقطّم "، و مجلة " الأزهر " التي أصدرها الإنجليزي " ويليام كوكس " (و هي غير مجلة الأزهر الصادرة عن جامعة الأزهر)، و أخذت على عاتقها نشر هذه الفكرة تحت سمع و بصر الإنجليز. فوقعت في يد الشيخ رشيد كراسة مطبوعة تدعو إلى استخدام اللغة العامية بدل الفصحى، و كتابتها بحروف لاتينية، فتصدّى لها في مقالين طويلين بعنوان " صدمة جديدة على اللغة العربية "، و فنّد آراء مؤلف الكراسة بحجج قوية واضحة، أبان فيها عوار هذه الدعوة الضالة، و ما يراد منها من أهداف خبيثة.

نهاية المجلة:

توُفّي الشيخ محمد رشيد رضا في 23 من جمادى الأولى لعام 1354 هـ، الموافق 1935 م، بعد أن استكملت المنار مجلدها الرابع و الثلاثين و شرعت في الخامس و الثلاثين، فكان لوفاة الشيخ و انقطاع المجلة وقعاً محزناً في العالم الإسلامي، فطالب الكثيرون من العلماء و الأدباء و المؤرخين بإعادة إصدارها مرة أخرى لسدّ الفراغ الكبير الذي أحدثه توقفها، فأصدر أخوه " محي الدين رضا " عددين فقط، و لكنه لم يستطع الإستمرار. توقّفت بعد هذا المجلة لمدة عامين، ثم تولّت جماعة الإخوان المسلمين زمام المجلة، برئاسة الشيخ " حسن البنا " رحمه الله، فصدرت ستة أعداد منها، ثم توقّفت نهائياً في شعبان 1359 هـ، الموافق سبتمبر عام 1940 م، لينطفيء آخر إشعاع انبثق من هذا " المنار " الشامخ الباذخ، فرحم الله الشيخ و أجزل له المثوبة عنا و عن أمة الإسلام. و الله ولي التوفيق.

المراجع:

1 – " رشيد رضا و دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب للدكتور: محمد بن عبدالله السلمان، من منشورات نادي القصيم الأدبي ببريدة. الطبعة الأولى 1988.

2 – " الصحافة الإسلامية في القرن التاسع عشر للدكتور: سامي الكومي، دار الوفاء، القاهرة، الطبعة الأولى، 1992.

3 – " الأعلام "، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة التاسعة، 1990.

< hr>

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير