3. ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أقرب من ميلاد عيسى بن مريم، وكان ابناً في بيئة تتجه لها أنظار العالَم – مكة المكرمة -، وكان ابنا لشرفاء وسادة تلك البقعة، ومع ذلك كله لا يُعرف على التحديد وقت ميلاده صلى الله عليه وسلم، والخلاف في تحديد مشهور.
ثانياً:
وجزم الأخ السائل بأنه " لا شك بأن موعد ميلاد المسيح لم يكن في شهر كانون أول ": في غير مكانه، وليس مع أثبت شيئاً أو نفاه أدلة يطمئن القلب لها، ولا هو بالشيء الذي يُجزم بحدوثه على التحديد.
وثمة اتجاهات في إثبات وقت ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام عند النصارى، فضلاً عن المسلمين، فالنصارى يزعمون أنهم أتباع دينه، وهو ربٌّ لكثير منهم! أو ابن ربِّهم! ومع ذلك ليس ثمة اتفاق بينهم على تحديد ميلاده!.
ولا يختلف المسلمون عن النصارى في الخلاف في تحديد وقت ميلاد عيسى عليه السلام، إلا أن الخلاف عندنا منطلقه الفهم لآيات من كتاب الله تعالى فيها التصريح بوجود رطَب على شجرة نخيل عند ولادة عيسى عليه السلام، ومن ثَمَّ اختلف العلماء عندنا هل كان وقت ميلاده عليه السلام في " الصيف " لكون ذلك الوقت موسم تلك الثمرة، أو كان الأمر كرامة من الله تعالى في إيجاد تلك الثمرة في غير موسمها، كما أجرى الله تعالى الماء من تحت أمه مريم وقت ولادة ابنها عيسى عليه السلام، وكما أنطق الله تعالى ابنها وهو طفل صغير؟! خلاف بين العلماء، والأظهر – والله أعلم – هو القول الثاني.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) لم يصرِّح جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة ببيان الشيء الذي أمرها أن تأكل منه، والشيء الذي أمرها أن تشرب منه، ولكنَّه أشار إلى أن الذي أمرها أن تأكل منه هو: " الرطَب الجني " المذكور، والذي أمرها أن تشرب منه هو النهر المذكور المعبر عنه بـ " السري "، كما تقدم، هذا هو الظاهر.
وقال بعض العلماء: إن جذع النخلة الذي أمرها أن تهز به: كان جذعاً يابساً؛ فلما هزته جعله الله نخلة ذات رطب جني.
وقال بعض العلماء: كان الجذع جذع نخلة نابتة، إلا أنها غير مثمرة، فلما هزته أنبت الله فيه الثمر، وجعله رطباً جنيّاً.
وقال بعض العلماء: كانت النخلة مثمرة، وقد أمرها الله بهزها ليتساقط لها الرطب الذي كان موجوداً.
والذي يُفهم من سياق القرآن: أن الله أنبت لها ذلك الرطب على سبيل خرق العادة، وأجرى لها ذلك النهر على سبيل خرق العادة، ولم يكن الرطَب، والنهر، موجودين قبل ذلك، سواء قلنا إن الجذع كان يابساً، أو نخلة غير مثمرة، إلا أن الله أنبت فيه الثمر، وجعله رطباً جَنيّاً، ووجه دلالة السياق على ذلك: أن قوله تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) يدل على أن عينها إنما تقر في ذلك الوقت بالأمور الخارقة للعادة؛ لأنها هي التي تبين براءتها مما اتهموها به، فوجود هذه الخوارق، من تفجير النهر، وإنبات الرطب، وكلام المولود: تطمئن إليه نفسها، وتزول به عنها الربية، وبذلك يكون قرة عين لها؛ لأن مجرد الأكل والشرب مع بقاء التهمة التي تمنت بسببها أن تكون قد ماتت من قبل وكانت نسياً منسيّاً: لم يكن قرة لعينها في ذلك الوقت، كما هو ظاهر، وخرق الله لها العادة بتفجير الماء، وإنبات الرطب، وكلام المولود: لا غرابة فيه، وقد نص الله جل وعلا في " آل عمران " على خرقه لها العادة في قوله (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قال العلماء: كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، وإجراء النهر، وإنبات الرطب: ليس أغرب من هذا المذكور في سورة " آل عمران ".
" أضواء البيان " (3/ 397).
¥