وكنت أود أن أخرج هذه السلسلة ابتداءًا على طبقات مؤلفيها، فأبدأ مثلاً بكتب إمام الجرح والتعديل أبي زكريا يحيى بن معين، رحمه الله، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أقدم الأئمة الذين حفظت لهم كتب في السؤالات، ثم أقوم بترتيب الروايات عنه، على هذا النحو أيضًا، فأُقَدِّم رواية عثمان بن سَعِيْد الدَّارمي، لأنها أقدم الروايات عنه، ثم التي تليها، وهكذا حتى أفرغ من جميع الروايات عن ابن معين، ثم بسؤالات مُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة، لعلي بن المديني، رحمه الله، توفي سنة أربع وثلاثين ومئتين، ثم بكتب أبي عبد الله أَحْمَد بن حنبل، رحمه الله، توفي سنة سنة إحدى وأربعين ومئتين، مرتبًا الروايات عنه أيضًا بنحو ما شرحته في الروايات عن ابن معين، وهكذا حتى أفرغ من جميع كتب السؤالات، ولكن لم تسعفني مخطوطات هذه الكتب وقتئذٍ، لاسيما وأنها جمعت من هنا وهناك بشق النفس.
فعرضت هذه الفكرة على أخي الفاضل أسامة إبراهيم، مدير قسم التحقيق بدار الفاروق، منذ أكثر من عام، فأبدى استعداد الدار بترتيب هذه السؤالات ونشرها على هذا النحو، شريطة أن يخرج كل كتاب على صورته دون التدخل في ترتيب مادته، ولكن هذا سيكون مرحلة ثانية في العمل بعد فراغي من انتهاء المشروع.
هذا وإني قد وقفت على نُسَخ لبعض كتب السؤالات لم تكن بحوزتي أثناء إخراجها، وهذه النُسَخ لم تؤثر على العمل، بقدر ما أنها توثيق له، ومن أمثلة ذلك:
1 - نسخة مصورة من رواية يزيد بن الهيثم بن طهمان، عن ابن معين، أصلها محفوظ بمكتبة صائب سلام، بتركيا.
2 - نسخة مصورة من رواية ابن الجنيد، عن ابن معين، أصلها محفوظ بمكتبة صائب سلام، بتركيا.
3 - نسخة مصورة من مختصر لرواية حمزة بن يوسف السهمي، عن الدارقطني، أصلها محفوظ بالظاهرية.
4 - نسخة مصورة من مختصر لرواية أبي عبد الرحمان السلمي، عن الدارقطني، أصلها محفوظ بولاية نيوجرسي بأمريكا، في مكتبة برنستون.
5 - نسخة مصورة من رواية مسعود بن علي السجزي، عن الحاكم النيسابوري، أصلها محفوظ في مكتبة تشستربتي، بدبلن.
وإني أقوم الآن بمقابلة هذا المشروع من جديد على أصوله الخطية، وإصلاح ما ند فيه من خطأ، وهذه طبيعة العمل البشري، كي أقدمه لإخواني محبي هذا العلم الشريف على أفضل صورة ممكنة، إن شاء الله.
وقديمًا قَالَ ابن معين: " لست أعجب ممن يحدث فيخطئ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب ".
وقَالَ: " من لا يخطئ في الحديث فهو كَذَّاب ".
فهذا إن كان في شأن الحديث النبوي الشريف، فالوقوع في غيره يكون أولى.
وهذا يحيى بن عبدك وقع في كتابه خطأ منذ عشرين سنة، فكتب إليه البرذعي، فرجع عنه، قال البرذعي: " فقرأت كتابه على أبي زرعة فقال: هذا كتاب أهل الصدق ".
فالله، سبحانه وتعالى، أسأل أن يغفر لنا زللنا، وأن يتجاوز عن تقصيرنا.
وكنت قد أخرجت: " تاريخ هاشم بن مرثد الطبراني، عن ابن معين "، منذ سنوات، عن نسخته الخطية الوحيدة المحفوظة ضمن مجموع أَحْمَد الثالث بتركيا، وهذه النسخة المصورة، قد جلبها لنا فضيلة الشيخ الفاضل محمود مُحَمَّد خليل، من مكتبة صديقه الشيخ صبحي البدري السامرائي ببغداد، ولكن وقع في تصويرها خلل عجيب، فقد محي من مطلع لوحتها الثانية سطرًا كاملاً، وكذا من مطلع لوحتها الثالثة.
وكذلك كُتِبَتْ نصوصه الأخيرة في حاشية النسخة بخط دقيق جدًّا محي بعضه أثناء التصوير أيضًا، وكنت قد لاحظت ذلك، فنبهت على بعضه أثناء تعليقي على النص: (12)، وهنا برقم: (10)، فَقُلْتُ: " كذا النص في الأصل "، ثم ذكرته على الصواب كاملاً في الحاشية من مصادر تخريجه.
وكذا فعلت في بعض الكلمات الواقعة في حاشية النسخة، التي لم أستطع قراءتها آنذاك.
هذا ولم أعتمد في تحقيق نص الكتاب على قرائتي وحدها للنسخة الخطية، ولكن كان لدي مصادر أخرى لقراءته، كتخريج نصوصه من مظانها، وكذلك من تفريغ الدكتور بشار عوَّاد معروف، للنسخة الخطية، في حاشيته على " تهذيب الكمال "، ومن تفريغها، من قِبَلِ الشيخ محمود خليل في " موسوعة أقوال يحيى بن معين "، وكانت موسوعته حينها لا تزال مخطوطة لم تطبع، فكانت المصورة القديمة التي اعتمدتُ عليها هي هي التي كانت في يد الدكتور بشار، والشيخ محمود خليل.
إلى أن يسر الله، تعالى، للشيخ الفاضل أبي عبد العزيز خليفة بن أرحمة بن مهام آل مشرف الكوارزي العجمي، فقام بتصوير مجموع أَحْمَد الثالث، صورة متقنة طبق الأصل، ووضعها على شبكة المعلومات الدولية " الإنترنت "، فاستطعت من خلالها تصويب ما طرىء على الجزء من سقط وأخطاء، فأحببت أن أقدمه لكم هنا مصححًا مضبوطًا، غيرة مني على ديني، وعلى هذا العلم الشريف، والله تعالى أسأله الإخلاص والقبول، وإليكم النص كاملاً مصححًا في المرفقات.
كتبه:أبو عمر محمد بن علي الأزهري
¥