إن دراسة تاريخ العائلة تشمل تطور العائلة واسمها, أماكن نموها واستقرارها, المهن والعلوم التي عمل بها أفرادها, عاداتها وتقاليدها وتراثها, دور شخصياتها وأثرهم داخل العائلة وخارجها, أثرها بالحياة العامة وبالمجتمع المحيط بها, ما حدث من تغيرات أو تطورات على المجالات السابقة بمرور الزمن.
وكما اهتم المؤرخون بتاريخ دمشق والحقب المتعاقبة عليها والمجالات المختلفة فيها فقد اهتم عدد أخر من المؤرخيين الدمشقيّين منذ القدم بتاريخ رجالات المجتمع الذين مروا بهذه المدينة عبر الزمن وترجموا لهم, وعمد القليل من هؤلاء المؤرخين إلى الإشارة لتاريخ بعض الأسر والعائلات في إطار حديثهم عن إحدى شخصياتها, ولعل كتاب " منتخبات التواريخ لدمشق " للمؤرخ محمد أديب تقي الدين الحصني المتوفى عام 1940م كان المرجع الوحيد لمن أراد البحث في تاريخ العائلات الدمشقية البارزة في تلك الفترة, تلته بعض الكتب التي دوَّنت تاريخ أسرة بعينها بقلم أحد مؤرخي هذه الأسرة.
ثم جاء كتاب " معجم الأسر والأعلام الدمشقية " للباحث التاريخي الدكتور محمد شريف الصواف بطبعته الأولى عام 2003م ليكون تأسيساً لباب جديد من أبواب التاريخ الدمشقي الواسع وبطبعته الثانية عام 2005م والثالثة عام 2008م والرابعة عام 2010 ليكون ترسيخا ً لمنهج في الكتابة والتأريخ لطالما افتقدناه في مكتبتنا الدمشقية.
اعتمد الدكتور الصواف في تأريخه للعائلات الدمشقية وأعلامها على كتاب الحصني كقاعدة للانطلاق فعرض في كتابه تاريخ تلك العائلات وأضاف لها ما طرأ عليها من تغيرات الزمن ثم أضاف لكتابه تاريخاً للعائلات التي برزت في الفترة الماضية ولم يذكرها الحصني في كتابه وذلك ضمن شروط هي: أن يكون قد مضى على وجود العائلة في دمشق 100 عام على الأقل وتعاقبت فيها أكثر من ثلاثة أجيال, وأن يكون قد اشتهر عدد من أبنائها ضمن المجتمع الدمشقي وتركوا فيها أثراً في أيّ من المجالات الاجتماعية والعلمية والثقافية المختلفة, مع العودة للمصادر التاريخية الموثوقة التي أرخت لرجالات دمشق وحياتها الاجتماعية في القرون الماضية, والمعلومات المقدمة من المهتمين بتاريخ أسرهم وأنسابهم بعد تدقيقها وتصحيحها.
نسقت أسماء الأسر في الكتاب على طريقة المعجم حيث يورد المؤلف في ذكره لكل أسرة المعلومات التاريخية المتوفرة عن نسب هذه الأسرة وأصلها وسبب تسميتها وهجراتها وسيرة أبرز رجالاتها قديماً وحديثاُ, وقد بلغ عدد الأسر التي ورد ذكرها في الطبعة الأولى 265 أسرة وفي الطبعة الثانية 318 أسرة, وفي الطبعة الثالثة 369 أسرة وفي الطبعة الرابعة 413 أسرة كما أضاف له مقالات تتحدث عن فضل دمشق عبر التاريخ وخصائص المجتمع الدمشقي وأخلاق التجار وعاداتهم في دمشق وغيرها.
حافظ المؤلف في ذكره للمعلومات على مبدأ الأمانة التاريخية فلم يزيد في الوصف في مطرح نقصانٍ ولم ينقص في مطرح زيادة مما عرضه لبعض النقد من الذين لم يجدوا في الكتاب ذكراً لأسرهم أو لم يرضهم ما ذكر عنهم, على أن هذا الكتاب أقد أضحى حديث الكثير من الدمشقيين في مجالسهم لأنهم رأوا فيه نوعاً جديداً من الكتب التي افتقدتها مكتباتهم الخاصة.
وقد أراد فيه المؤلف مشروعاً مستمراً يحفظ لدمشق المعلومات التاريخية التي قدمها المؤرخون السابقون أو التي جمعت من قبل الأسر الدمشقية ضمن كتاب واحد دائم التجديد.
كتاب معجم الأسر والإعلام الدمشقية للباحث الدكتور محمد شريف الصواف وإن أسميناه كتاباً فالأصح أن نسميه مشروعاً تاريخياً اجتماعيا يحفظ لدمشق جزءاً هاماً من تاريخها الوطني والاجتماعي والثقافي والسياسي ويعيد الحياة مجدداً لنوع قديم جديد من الثقافة هي ثقافة العائلة وحفظ النسب التي يفاخر بها العرب وحفظ الروابط الأسرية التي تؤدي لوحدة الأسرة ومن بعدها وحدة المجتمع وتماسكه.
والدكتور الصواف بتبنيه لهذا المشروع المستمر دخل في تحدي كبير ووضع نفسه قيماً على استمرارية نوع من أنواع التأريخ الذي اعتقدنا بزواله, ومهما تراوحت آرائنا بين إيجابية وسلبية من مشروعه تبقى الأجيال القادمة هي الحكم ومكتبة التاريخ خير حكم.
ـ[أبو الطيب أحمد بن طراد]ــــــــ[16 - 03 - 10, 07:57 م]ـ
¥