تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومَثَلُ مَوْقِفِهِ هَذَا عِنْدَمَا أمْرِ بإنَفَاذِ جَيْشِ أسَامَةَ وقَدْ ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ العَرَبِ عِنَدَما تُوُفيَ رَسُوْلُ الله صَلَّىَ الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومَعَ هَذَا كُلِّهِ أمْرِ بإنَفَاذِ جَيْشَ أسَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ.< o:p>

قَالَ أبُو الفِدَاءِ ابْنُ كَثِيْرٍ: «والمَقْصُوْدُ أنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الأمُوْرُ أشَارَ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ على الصِّدِّيقِ أنْ لا يُنْفِذَ جَيْشَ أسَامَةَ لاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فِيْمَا هُوَ أهُمُّ الآنَ مِمَّا جُهِّزَ بِسَبَبِهِ حَالَ السَّلَامَةِ، وكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أشَارَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَامْتَنَعَ الصِّدِّيقُ مِنْ ذَلِكَ وأبَى أشَدَُ الإبَاءِ إلَّا أنْ يُنْفِذَ جَيْشَ أسَامَةَ، وقَالَ: والله لا أحِلَّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُوْلُ الله صَلَّىَ الله عَلَيْهِ وسَلَّم ... » أ. هِـ. مِنَ «البَدَايَةِ والنِّهَايَةِ» (9/ 421).< o:p>

وقَدْ بَنَى المُؤَلِّفُ وَفَّقَهُ الله تَعَالى كِتَابَهُ على هَذَا الأمْرِ: وهُوَ التِزَامُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ في كُلِّ أمْرٍ، ومَحْكَمَةُ كُلِّ شَيءٍ إلَيْهِمَا فَانْتَقَدَ بَعْضَ المُصْطَلَحَاتِ والمَنَاهِجِ والجَمَاعَاتِ، وتَكَلَّمَ أيْضًا على مُصْطَلَحِ (التَّرْبِيَةِ)، و (الفِكْرِ التَّرْبَوِيِّ)، ومَا بُنِيَ على ذَلِكَ مِنْ مِنَاهِجَ وقَواعِدَ ومَا وقَعَ فِيْهِ مِنْ مُبَالَغَةٍ! < o:p>

قَالَ المُؤَلِّفُ وَفَّقَهُ الله: «إِنَّنِي تَتَبَّعْتُ أسْمَاءَ (الفِكْرِ التَّرْبَوِيِّ) ومُشْتَقَّاتِهَا ومَا حَامَ في فَلَكِهَا مَنْطُوقًا ومَفْهُومًا وعُنْوانًا ومَضْمُونًا مَا بَيْنَ كِتَابٍ وكُتَيِّبٍ ورِسَالَةٍ ومُحَاضَرَةٍ ونَدْوَةٍ ومَقَالٍ؛ فَوَجَدْتُهَا تَزِيْدُ على خَمْسَةِ آلَافِ، وهِي لَم تَزَلْ في مَزِيْدٍ فَهَذَا يَحْمِلُنَا إلى مُحَاسَبَةِ ومُرَاجَعَةِ (الفِكْرِ التَّرْبَوِيِّ) في بِدَايَتِهِ وطَرَائِقِهِ وتَسَلُّلِهِ، وكَذَا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ أخْطَاءَ دَعَوِيَّةٍ وأحْزَابٍ فِكْرِيَّةٍ! < o:p>

قُلْتُ: ومِنْ مَفَاسِدِ هَذِه الظَّاهِرَةِ: أوَّلًا: اسْتِبْدَالُ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِالعِلْمِ التَّرْبَوِيِّ، ويُجْعَلُ المُفَكِّرُ بَدَلَ العَالمِ، ويُجْعَلُ بَدَلَ التَّفَقُّهِ بِالكِتَابِ والسُّنَّةِ ودِرَاسَةِ الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ دِرَاسَةَ الكُتُبِ التَّرْبَوِيَّةِ، ولَا تَخْفَى الخُطُورَةُ البَالِغَةُ الَّتِي تَنْتُجُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وآثَارُهُ المُدَمِّرَةُ على الأمَّةِ كُلِّهَا.< o:p>

ومَنِ المَعْلُوْمِ أنَّ بَعْضَ هَذِهِ الكُتُبِ هِيَ كُتُبٌ هَزِيْلَةٌ لَا تُسْمِنُ ولَا تُغْنِي مِنْ جُوْعٍ.< o:p>

ثَانِيًا: أنَّ مَا يُسَمَّى بِالفِكْرِ التَّرْبَوِيِّ بَعْضُهُ أوْ كَثِيْرٌ مِنْهُ مَبْنِيٌّ على التَّجَارُبِ، ولَا يَخْفَى أنَّ مَا كَانَ كَذَالِكَ لا يَجُوْزُ تَعْمِيْمُهُ وتَطْبِيْقُهُ على الأمَّةِ، ويَجْعَلُ مِنْ هَذِهِ التَّجَارُبِ والأفْكَارِ مَنْهَجًا يَسِيْرُوْنَ عَلَيْهِ، وتَقَدَّمَ لَنَا فِيْمَا سَبَقَ أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ أمَرَ بِاتِّبَاعِ شَرَعِهِ، وبِالاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ، وتَرَكِ مَا سِواهُ، ولَا يُمْكِنُ الأمْرُ بِذَلِكَ إلَّا وقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا الطَّرِيْقُ الَّذِي يُتَّبَعُ، ولِذَا قَالَ تَعَالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُم في رَسُوْلِ الله أسْوةٌ حَسَنَةٌ» (الأحزاب: 21). وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: «عَلَيْكُم بِسُنَّتِي ... ».< o:p>

فَمَا بَقِيَ عَلَيْنَا إلَّا أنْ نَسِيْرَ وِفْقَ هَدْيِهِ، وأنْ نَسْلُكَ طَرِيْقَتَهُ، وقَدْ ذَمَّ الصَّحَابَةُ والسَّلَفُ الصَّالِحُ الرَّأيَ المُجَرَّدَ، والتَّوسُّعَ في القِيَاسِ، فَفي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ كِتَابِ المَغَازِي بَابِ: غَزْوةُ الحُدَيْبَيةِ مِنْ طَرِيْقِ أبي وَائِلٍ قَالَ لمَّا قَدِمَ سَهْلُ ابْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّيْنَ أتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ قَالَ فَقَالَ: اتَّهِمُوْا الرَّأيَ على الدِّيْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أبي جَنْدَلٍ لَوْ أسْتَطِيَعُ أنْ أرُدَّ على رَسُوْلِ الله صَلَّىَ الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير