تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كَمَا قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ وَصَايَا عَظِيْمَةٌ، قَدْ بَلَغْتْ عَشْرَةَ وَصَايَا افْتَتَحَهَا رَبُّنَا بالنَّهْي عَنِ الشِرْكِ، وهُوَ أعْظَمُ الذُّنُوبِ، واخْتَتَمَهَا بالأمْرِ بالوفَاءِ بِعَهْدِ الله، وقَدْ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: «مَنَ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إلى وصِيَّةِ النَّبي مُحَمَّدٍ صلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّتي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ فَلْيَقْرَأ: «قُلْ تَعَالَوْا أتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيْكُمْ» إلى قَوْلِهِ: «وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيِمًا فَاتَّبِعُوْهُ ولَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَنْ سَبِيِلِهِ ذَلِكُم وصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُوْنَ» أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والطَّبَرَانِيُّ، وفِيْهِ ضَعْفٌ.

فالَحِكْمَةُ مِنْ مَجِيء هَذِهِ الآيَةِ بَعْدَ الآيَاتِ المَذْكُوْرَةِ ـ والعِلْمُ عِنْدَ الله ـ حَتَّى تَكُوْنَ جَامِعَةً لِمَا تَقَدَّمَ، فَجَمِيْعُ الأوامِرِ المُتَقَدِّمَةِ لا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالاسْتِقَامَةِ على طَاعَةِ الله تَعَالى.

ومِثْلُهَا مَا جَاءَ في سُوْرَةِ هُوْدٍ فَبَعْدَ أنْ قَصَّ الله عَلَيْنَا قِصَصَ جَمَاعَةٍ مِنَ الأنْبِيَاءِ عَلَيْهِم الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعَ أقْوامِهِم، قَالَ: «وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم رَبُّكَ أعْمَالَهُم إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِم كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (هود: 111ـ 112)، فَأمَرَهُ تَعَالى بِأمْرَيْنِ:

1ـ أنْ يَسْتَقِيْمَ.

2ـ أنْ تَكُوْنَ هَذِهِ الاسْتِقَامَةُ كَمَا أمَرَهُ الله تَعَالى، ولَنْ تَكُوْنَ اسْتِقَامَةً؛ حَتَّى تَكُوْنَ وُفْقَ أمْرِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِي: «ثُمَّ لَمَّا أخْبَرَ بِعَدَمِ اسْتِقَامَتِهِم الَّتِي أوْجَبَتْ اخْتِلَافَهُم وافْتِرَاقَهُم أمَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ ومَنْ مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ أنْ يَسْتَقِيْمُوْا كَمَا أُمِرُوا، فَيَسْلُكُوا مَا شَرَعَهُ الله مِنَ الشَّرَائِعِ، ويُعْتَقَدُوا مَا أخْبَرَ الله بِهِ مِنَ العَقَائِدِ الصَّحِيْحَةِ، ولَا يَزِيْغُ عَنْ ذَلِكَ يَمْنَةً ولا يَسْرَةً، ويَدُوْمُوا على ذَلِكَ، ولَا يَطْغَوْا بِأنْ يَتَجَاوزُوْا مَا حَدَّهُ الله لَهُم مِنَ الاسْتِقَامَةِ. وقَوْلُهُ: «إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِيْرٌ» أيْ: لا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أعْمَالِكِم شَيء، وسَيُجَازِيْكُم عَلَيْهَا فَفِيْهِ تَرْغِيْبٌ لِسُلُوكِ الاسْتِقَامَةِ وتَرْهِيبٌ مِنْ ضِدِّهَا ... أ. هـ مِنْ «تَيْسِيْرِ الكَرِيْمِ المَنَّانِ» صَ (391).

فَمَهْمَا عَمِلَ الشَّخْصُ واجْتَهَدَ إذَا لَم يَكُنْ ذَلِكَ وُفْقَ الشَّرْعِ وإلَّا فَإنَّ عَمَلَهُ مَرْدُوْدٌ عَلَيْهِ كَمَا جَاءَ في الصَّحِيْحَيْنِ (خَ 2697، ومُسْلِمٌ 1718)، مِنْ طَرِيْقِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيْمَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.

وتَأْكِيْدًا لِهَذَا الأمْرِ وتَوْضِيْحًا لأهَمِّيَّتِهِ كَانَ رَسُوْلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ بِهِ، فَقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٍ (867)، وأحْمَدُ (14984)، واللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيْقِ وكِيْعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِيْهِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُوْمُ فَيَخْطُبُ فَيَحْمَدُ الله ويُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا هُو أهْلُهُ ويَقُوْلُ: «مِنْ يَهْدِيْهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إنَّ خَيْرَ الحَدِيْثِ كِتَابُ الله، وخَيْرَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وشَرَِ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، ولِهَذَا قَالَ تَعَالى: «إنَّ أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرا و نَذِيرًا. ودَاعِيًا إلى الله بِإِذْنِهِ وسِرَاجًا مُنِيْرًا» (الأحْزَابُ: 45 ـ 46). فَهُوَ دَاعِي إلى الله بِإذْنِ الله لا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير