تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهَذِهِ القَواعِدُ هِي أعْظَمُ قَواعِدِ الشَرِيعَةِ، بَلْ هِي الدِّيْنُ كُلُّهُ لأنَّ القَصْدَ مِنَ الدِّيْنِ تَحْقِيْقُ العُبُوْدِيَّةِ لله تَعَالى بِإفْرَادِهِ بِالعِبَادَةِ، وإثْبَاتِ مَا أثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ ونُعُوْتِ الجَلَالِ، وطَاعَتِهِ فِيْمَا أمَرَ والانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وزَجَرَ، وهَذَا مَعْنَى شَهَادِةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا الله وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ الله، وعلى هَذَا سَارَ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ والصَّحَابَةُ المَرْضِيُّوْنَ والتَّابِعُوْنَ لَهُم بِإحْسَانٍ، حَتَّى قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ الله عَنْهُ: «والله لَوْ مَنَعُوْنِي عِقَالًا كَانُوْا يُؤَدُّوْنَهُ إلى رَسُوْلِ الله لَقَاتَلْتُهُم على مَنْعِهِ»، فَقَالَ عُمَرُ: فَو الله مَا هُوَ إلَّا أنْ رَأيْتُ الله عَزَّ وجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ» أخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِي عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.

فَلَم يَتَنَازَلِ الصِّدِّيْقُ رَضِي الله عَنْهُ عَنْ شَيءٍ كَانَ عَلَيْهِ رَسُوْلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى ولَوْ كَانَ عِقَالًا، وهُوَ الحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ البَعِيْرُ!

ومَثَلُ مَوْقِفِهِ هَذَا عِنْدَمَا أمْرَ بإنْفَاذِ جَيْشِ أسَامَةَ، وقَدْ ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ العَرَبِ عِنَدَمَا تُوُفيَ رَسُوْلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومَعَ هَذَا كُلِّهِ أمْرَ بإنَفَاذِ جَيْشَ أسَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ.

قَالَ أبُو الفِدَاءِ ابْنُ كَثِيْرٍ: «والمَقْصُوْدُ أنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الأمُوْرُ أشَارَ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ على الصِّدِّيقِ أنْ لا يُنْفِذَ جَيْشَ أسَامَةَ لاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فِيْمَا هُوَ أهُمُّ الآنَ مِمَّا جُهِّزَ بِسَبَبِهِ حَالَ السَّلَامَةِ، وكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أشَارَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَامْتَنَعَ الصِّدِّيقُ مِنْ ذَلِكَ وأبَى أشَدَّ الإبَاءِ إلَّا أنْ يُنْفِذَ جَيْشَ أسَامَةَ، وقَالَ: والله لا أُحِلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُوْلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم ... » أ. هِـ. مِنَ «البَدَايَةِ والنِّهَايَةِ» (9/ 421).

وقَدْ بَنَى المُؤَلِّفُ وَفَّقَهُ الله تَعَالى كِتَابَهُ على هَذَا الأمْرِ: وهُوَ التِزَامُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ في كُلِّ أمْرٍ، ومُحَاكَمَةُ كُلِّ شَيءٍ إلَيْهِمَا فَانْتَقَدَ بَعْضَ المُصْطَلَحَاتِ والمَنَاهِجِ والجَمَاعَاتِ.

وتَكَلَّمَ أيْضًا على مُصْطَلَحِ (التَّرْبِيَةِ)، و (الفِكْرِ التَّرْبَوِي)، ومَا بُنِيَ على ذَلِكَ مِنْ مِنَاهِجَ وقَواعِدَ، ومَا وقَعَ فِيْهِ مِنْ مُبَالَغَةٍ!

قَالَ المُؤَلِّفُ وَفَّقَهُ الله: «إنَّنِي تَتَبَّعْتُ أسْمَاءَ (الفِكْرِ التَّرْبَوِي) ومُشْتَقَّاتِهَا ومَا حَامَ في فَلَكِهَا مَنْطُوقًا ومَفْهُومًا وعُنْوانًا ومَضْمُونًا مَا بَيْنَ كِتَابٍ وكُتَيِّبٍ ورِسَالَةٍ ومُحَاضَرَةٍ ونَدْوَةٍ ومَقَالٍ؛ فَوَجَدْتُهَا تَزِيْدُ على خَمْسَةِ آلَافِ، وهِي لَم تَزَلْ في مَزِيْدٍ فَهَذَا يَحْمِلُنَا إلى مُحَاسَبَةِ ومُرَاجَعَةِ (الفِكْرِ التَّرْبَوِي) في بِدَايَتِهِ وطَرَائِقِهِ وتَسَلُّلِهِ، وكَذَا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ أخْطَاءَ دَعْوِيَّةٍ وأحْزَابٍ فِكْرِيَّةٍ»!

قُلْتُ: ومِنْ مَفَاسِدِ هَذِه الظَّاهِرَةِ: أوَّلًا: اسْتِبْدَالُ العِلْمِ الشَّرْعِي بِالعِلْمِ التَّرْبَوِيِ، وجَعْلُ المُفَكِّرَ بَدَلَ العَالمِ، وجَعْلُ بَدَلَ التَّفَقُّهِ بِالكِتَابِ والسُّنَّةِ ودِرَاسَةِ الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ دِرَاسَةَ الكُتُبِ التَّرْبَوِيَّةِ، ولا تَخْفَى الخُطُورَةُ البَالِغَةُ الَّتِي تَنْتُجُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وآثَارُهُ المُدَمِّرَةُ على الأمَّةِ كُلِّهَا.

ومَنِ المَعْلُوْمِ أنَّ بَعْضَ هَذِهِ الكُتُبِ هِي كُتُبٌ هَزِيْلَةٌ لَا تُسْمِنُ ولَا تُغْنِي مِنْ جُوْعٍ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير