تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لشيخنا يُخبرنا بقصَّة مَنْعه من الخَطابة، يقول: ألقيتُ في رأس السنة الميلاديَّة خُطبةً قويَّة، نصحتُ فيها شبابَ المسلمين بعدم تقليد النصارى، وتَرك مُجاراتهم في احتفالاتهم، وقد كان بعضُ المسلمين - ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله - يُشاركون النصارى في عيدهم، ويَشربون معَهُم الخمرَ، ويُراقصون نساءهُم .. فناديتُهُم من على المِنبَر: أن اتَّقوا الله، وذَروا ما أنتم عليه من مُتابعة للنصارى، وأورَدتُ في ذلك بعضَ الآيات فيهم، كقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم}، ومن هنا قيل: إن هذا الشيخَ يُثير النُّعَرات الطائفيَّة ويَدعو إليها، وكان قرارُ المنع.

كان الشيخ يعطي خُطَبه حقَّها من التحضير وحُسن الإلقاء؛ أداءً لأمانة المنبَر التي ضيَّعها اليومَ كثيرٌ من الخُطَباء، وأداءً لحقِّ المستمعين الذين قَدِموا إلى جامعِه من كلِّ صَوْب، وكان رحمه الله خطيبًا مُفوَّهًا مِصْقعًا، أمَّارًا بالمعروف نَهَّاء عن المنكَر، صادرًا في ذلك عن علم غَزير، وفكر سَديد، وبيان مُشرق، وحَميَّة لدين الله جَيَّاشَة.

وقد أحسنَ الله إليه بأن وهَبَه قُدرةً على التأثير عَظيمة، فإذا ما انطَلَق في خُطبته رأيت الناسَ قد تعلَّقَت به أبصارُهم، وكأن على رؤوسهم الطَّير.

وكان الغالبُ على خُطَب شيخنا أن يبدأَها بسَرد حديث نبويٍّ شريف، مع ذكر الصَّحابيِّ راوي الحديث، والأئمَّة المخرِّجين، ثم يُتَرجمُ بإيجاز للصَّحابي والمخرِّجين، ثم يَشرَعُ في تفسير الحديث، واستنباط الفَوائد والعِبَر منه، يُدير الخطبَة كلَّها عليه، مُستشهدًا بعشَرات الآيات والأحاديث الدَّاعمَة للفكرَة، لا يذكُر حديثًا منها إلا مُخرَّجًا.

أما التعليمُ والتدريس فقد وَلَجَ مَيدانَه في وقت مُبكِّر أيضًا، حين انتُدبَ للتدريس في المدرسة الابتدائيَّة التي تخرَّج فيها، وهي مدرسةُ الإسعاف الخَيريِّ، في نحو سنة 1373هـ، وقد أُنيطَ به تدريسُ القرآن والتجويد وبعض العُلوم الأخرى، وفيها تجدَّد لقاؤه بشيخه صُبحي العَطَّار، الذي فرح فرحًا عظيمًا بتلميذ الأمس الصَّغير، الذي غَدا زميلَه في التدريس.

وفي سنة 1381هـ تحوَّل الشيخُ إلى المعهَد العربيِّ الإسلاميِّ، مدرِّسًا للقرآن والفقه، واستمرَّ فيه زمنًا، ثم انتقلَ إلى معهَد الأمينيَّة، الذي سُمِّي فيما بعد: المعهَد الشرعيَّ لطلاَّب العُلوم الإسلاميَّة، ثم أُطلق عليه اسم: معهَد الشيخ بدر الدِّين الحَسَني، وبقي يعلِّم فيه إلى ما قبل سنتين تقريبًا، وكان الشيخُ من المدرِّسين في دَوراتِه الصيفيَّةِ المكثَّفَةِ عظيمةِ النَّفْع، وقد كنتُ من المنتَسبينَ إليها كما ذكرتُ في بداية المقالة، وقرأنا على الشيخ فيها عددًا من الكتُب، ففي الفقه الشافعيِّ درَّسَنا كتابَ الإمام الحِصْني ((كفاية الأخيار في حلِّ غاية الاختصار))، وفي علم مُصطَلَح الحديث قرأنا عليه كتابَ الإمام النَّوَوي ((إرشاد طلاَّب الحقائق إلى معرفة سُنَن خير الخلائق))، و ((الباعث الحَثيث شَرح اختصار علوم الحَديث)) للشيخ أحمد شاكر، و ((قواعد التحديث)) لجمال الدِّين القاسِمي، و ((تدريب الرَّاوي)) للسُّيوطي، و ((شَرح ثُلاثيَّات الإمام أحمد)) للسَّفَّاريني.

وكان للشيخ رِحْلاتٌ دعويَّة كثيرة إلى عدَد من دُوَل الخليج، يُلقي فيها المحاضرات ويَلتقي أهلَ العلم والفَضل، إضافةً إلى رِحْلاتِه المتَتابعَة إلى بلده كوسوفا وما حولَها؛ لدَعوَةِ أهالي تلكَ البلادِ إلى الدِّين القَويم، وتَبصيرِهم بأحكام الإسلامِ العظيم، مُستفيدًا من إتقانه للُّغَة الألبانيَّة، وكان انتَدَبه للسَّفَر إليها سَماحَةُ الشيخ عبد العَزيز بن باز مُفتي المملكة العربيَّة السعوديَّة رحمه الله تعالى، وقد كانت تَربطُه بالشيخ علاقَةٌ من الوُدِّ والمحبَّة والتقدير وَثيقَة.

فكرُه ومَنهَجُه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير