ـ[محب شيخ الإسلام]ــــــــ[23 - 04 - 04, 02:42 ص]ـ
بارك الله فيكم، وإتماماً للفائدة أذكر قاعدة أخرى توضح مانحن بصدده.
قال شيخنا وليد السعيدان حفظه الله تعالى في كتابه القواعد المذاعة:
القاعدة السادسة
ما لم يرد فيه دليل بخصوصه فلا نثبت لفظه ولا ننفيه ونستفصل في معناه، فإن أُريد به حقٌّ قبلناه وإن أًريد به باطلٌ رددناه
اعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات مجملٌ في ثلاث نقاط:
أما في الإثبات فنحن نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل، بل ((ليسَ كمِثلِهِ شيءٌ وهُو السَّميْعُ البَصِير))،
وأما في النفي فننفي عن الله تعالى كل ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم مع إثبات كمال الضد،
وأما النقطة الثالثة فهي قاعدتنا التي معنا، وهي مذهب أهل السنة والجماعة فيما لم يرد فيه دليل بخصوصه، أي هناك ألفاظٌ وصفات، يتكلم بها أهل التعطيل، ويفرون منها، وحرفوا نصوص الكتاب والسنة من أجلها ولم يرد لها ذكرٌ في الكتاب والسنة بخصوصها، فما هو المذهب فيها عند أهل السنة؟
إذا علمت هذا فاعلم أن ما لم يرد فيه دليل بخصوصه لنا فيه نظرتان، نظرة من حيث لفظه ونظرة من حيث معناه، فأما من حيث لفظه فلا نثبت لفظه لعدم ورود الدليل الخاص به ولم يتكلم به السلف، وأما من ناحية معناه فالواجب هو التوقف فيه والاستفصال عنه؛ لأن هذه الألفاظ فيها حق وفيها باطل فهي ألفاظ مجملة، واللفظ المجمل يحتاج إلى بيان فنستفصل فيه، فإن أُريد به حقٌ قبلناه، وإن أُريد به باطلٌ رددناه. وحتى تتضح هذه القاعدة نضرب بعض الفروع عليها:
منها: لفظ (الجهة) فيقال: هل الله تعالى في جهة؟ فيقال: إن لفظ الجهة لا نثبته لعدم وروده في القرآن الكريم ولا السنة ولا في كلام السلف، أما معناه فنتوقف فيه؛ لأن لفظ الجهة فيه حق وفيه باطل. فنقول: ما ذا تريد بلفظ الجهة؟ هل تريد به جهة سفلٍ؟ أم جهة علو محيطة بالله تعالى؟ أم جهة علو غير محيطةٍ بالله تعالى؟ فإن أراد الأول فهو باطل؛ لأن جهة السفل نقص والله تعالى منزه عن النقص. وإن أراد الثاني فهو باطل أيضًا؛ لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته. وإن أراد الثالث فهو حق يجوز على الله تعالى، لكن لا نسميه بالجهة وإنما نسميه بالعلو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار في خطبة عرفة إلى السماء، وكذلك لما قال للجارية: ((أين الله))؟ قالت: في السماء. رواه مسلم، وكذلك في الدعاء كان يشير إلى جهة العلو. فالله تعالى في العلو المطلق على ما يليق بجلاله وعظمته.
ومنها: المكان، فإذا قيل لك هل الله تعالى في مكان؟ فقل: أما لفظ المكان فلا نثبته؛ لعدم ورود الأدلة بإثباته، ولم يثبت عن السلف القول به، وأما معناه فنتوقف فيه، فيقال: ماذا تريد بأن الله تعالى في مكان هل تعني أنه مكان سفل فهو باطل لأن الله تعالى منزه عن النقص والسفل نقص، أم تريد مكان علو محيط بالله تعالى فهو باطل أيضًا لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته، أم تريد مكان علو غير محيط بالله تعالى فهذا حق نثبته لله تعالى لكن لا ننخدع بألفاظ أهل البدع، ويكفينا من ذلك قول أهل السنة:- إن الله فوق العرش.
ومنها: الحيز، فإذا قيل هل الله تعالى في حيز؟ فقل أما لفظ الحيز فلا نثبته لعدم ورود الأدلة النقلية به ولم يتكلم به السلف، وأما معناه فنستفصل فيه فنقول هل تريد بالحيز أن الله تعالى تحوزه المخلوقات أو هو يحوزها أي أن الله تعالى فيه شيءٌ من مخلوقاته أو في مخلوقاته شيءٌ منه؟ فإن أردت هذا فهو معنى باطل، كل البطلان وهو عقيدة أهل الحلول والاتحاد – والعياذ بالله تعالى -، أم تريد بالحيز بمعنى المنحاز أي أن الله تعالى منحاز عن خلقه بمعنى أنه منفصل عنهم فليس فيه شيء منهم وليس فيهم شيءٌ منه؟ فإن أردت هذا فهو قول صحيح لكن لا نتكلم بلفظ الحيز لأنه من الألفاظ البدعية التي لم ترد عن السلف، ويكفينا قول أهل السنة: أن الله مستوٍ على عرشه بائن من خلقه.
ومنها: لفظ الجسم، فإذا قيل لك هل لله تعالى جسم؟ فقل إن لفظ الجسم من الألفاظ البدعية التي لم ترد عن السلف فلا نثبته، وأما معناه فنتوقف فيه ونقول: ماذا تريد بالجسم؟ هل تريد ما هو أجزاءٌ وأبعاض في حقنا مفتقر بعضها إلى بعض؟ فهذا معنى باطل لا يجوز على الله تعالى، أم تريد به الذات القائمة بنفسها المتصفة بصفات الكمال ونعوت الجلال، فهذا حق لكن لا نتكلم بلفظ الجسم لأنه لفظٌ محدث ولكن نسميه ذاتاً وصفاتاً، وأظن أن القاعدة بهذا الكلام قد اتضحت، والمقصود أن أهل البدع يقولون كلامًا مجملاً فيه حقٌ وفيه باطلٌ فالواجب على المنصف أن يتثبت في كلامهم قبل أن يرده أو يقبله، والله تعالى أعلى وأعلم.
¥