ـ[عبدالعظيم مجيب]ــــــــ[08 - 08 - 10, 05:30 م]ـ
الخاتمة
من الحقائق التي أكدها هذا البحث، هي البرهنة على واقعية الفقه الإسلامي ومرونته، وقدرته على مسايرة حياة الناس في مختلف المجالات وعبر كل العصور، والنتيجة التي انتهيت إليها: أن الفقه الإسلامي ليس فقه عقائد وعبادات، وانعزال عن الحياة، كما يعتقد البعض من دعاة العلمانية، بل هو شريعة ومنهاج حياة، ينظم العلاقة بين العبد وربه، والإنسان وأخيه الإنسان.
والفقه الإسلامي لم يضع القوانين التنظيمية، للحياة الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل وضع لهاأولاالمبادئ الأخلاقية التي تكفل انتظام المعاملات، وتوصل إلى أرقى الغايات. لأن الإنسان يمكن أن يتحايل في معاملاته بألوان من الغش والخداع، ولكن التربية الإسلامية الأخلاقية إن تحصن بها تمنعه من ذلك. فالشريعة تنظر إلى الغاية وتحاسب على الوسلية، وتضع القيود المناسبة في كل التصرفات والمعاملات
وانطلاقا من هذه المبادئ ومراعاة لهذه الأخلاقيات، وضع الفقهاء قديما وحديثا ضوابط تخص المكاسب المالية عامة.
الضوابط العامة للمكاسب المالية:
وضع الفقهاء للمكاسب المالية مجموعة من القواعد والضوابط العامة نوجزها فيما يلي:
1 - أن يكون العمل مشروعا لكي تكون المكاسب حلالا.
2 - أن تكون المكاسب مرتبطة بالجهد، فكلما زاد العامل من جهده وإنتاجه، زاد أجره.
3 - أن تكون المكاسب مرتبطة بالمخاطر والمتاعب والربح والخسارة.
4 - شرط سلامة المكتسب من كل ما هو محرم، سواء كان التحريم في جنس المال كالكسب من التجارة المحرمة، أو العمل المحرم، أو عن طريق اغتصاب أموال الآخرين وحقوقهم، أو كان التحريم في جنس المال الناشئ عن المخالفات الأخلاقية.
ومراعاة لهذه الضوابط فرق الفقهاء حتى في المفاهيم الإصطلاحية، لاختلاف حكمها باختلاف لفظها، رغم وجود القواسم المشتركة بين كل المصطلحات، ففرقوا بين الأجر والربا، والربح والفائدة، و الرسم والعمولة، وهذه بعض
الفوارق:
-الأجر والربا:
الأجر: هو عوض مالي مقابل بمنفعة مشروعة، مستفادة من خدمة شخص أو مقابل منفعة بأشياء مع بقاء عينها.
أما الربا: فهو عوض مالي مقابل ما ينتفع به لاستهلاك عينه مثل النقود، فإنه لا ينتفع بها إلا باستهلاكه أعيانها، والأجرفي هذه الحالة يكون زائدا على ما استقر في ذمة المستأجر، فكان الأجر في النقود غير مقابل بمنفعة مشروعة فكانت الزيادة ربا.
فكل من الأجر والربا فيهما عوض، ولكن الزيادة في الأجر مشروعة، وفي الربا غير مشروعة، لهذا أجمع الفقهاء على مشروعية الأجرة المبنية على العمل والمنفعة المشروعة، وعلى تحريم الفائدة التي أساسها المعاملات الربوية.
-الربح والفائدة:
إن كلا من الربح والفائدة يحملان معنى الزيادة، ولكن الفرق اللفظي ترتب عنه فرق حكمي، فالزيادة الناتجة عن الربح مرتبطة بعمل وجهد يبذله العامل أو منفعة أو مبادلة، قائمة على الربح والخسارة، ولا يحدد إلا بعد انتهاء العمل.
أما الزيادة الناشئة عن الفائدة، فإنها جاءت منفصلة عن العمل، وأساسها المعاملات الربوية الناتجة عن القرض أوالوديعة، وهي محددة مقدما، يتعين سدادها في موعدها، ربح المشروع أو خسر، وهي قابلة للزيادة في حالة التأخير.
ولذلك اختلف الحكم باختلاف اللفظين، فكانت الزيادة الناتجة عن الربح مباحة، والناتجة عن الفائدة حراما.
-الرسم والفائدة:
الرسم: مبلغ مالي يدفعه العميل إلى الجهة المعينة مقابل ما يقدم إليه من خدمات.
والفائدة: هي الزيادة المالية التي يأخذها الفرد المدخرمن البنك نتيجة استغلال البنك أمواله، أو مقابل القروض المقدمة للعملاء.
وتختلف الفائدة عن الرسم، في أن الرسم أساسه عمل يقدمه البنك فيستحق عليه أجرا. والفائدة زيادة ربوية، فاختلف الحكم باختلاف الأصل. فالمكاسب المالية في الرسوم تكون مباحة إذا كانت الخدمات المقدمة مشروعة، أما مكاسب الفائدة فهي ممنوعة لعدم مشروعية أصلها.
-العمولة والفائدة:
العمولة: أجرة يؤديها العميل للبنك مقابل خدمات ومنافع يستفيد منها العميل، فالعمولة أساسها خدمة فعلية أو منفعة مقصودة ومتقومة في نظر الشريعة.
أما الفائدة فهي نسبة مالية محددة، تؤخذ على رأس المال من أحد الطرفين لأحد الطرفين، يأخذها البنك مقابل القرض، أو العميل مقابل الوديعة. فتكون الفائدة ثمنا لاستعمال النقود وأجرة عن استغلالها.
¥