·الفهم الخاطىء لقضية يسر الشريعة حيث أنك تجد من يبحث في كل مسألة عن أخف الأقوال و أسهلها بدعوى التيسير على الناس و رفع الحرج عنهم و ليس لهؤلاء دليل إلا أدلة عامة قاضية بيسر الإسلام و رفعه للحرج، و استدلالهم هذا في غير موضعه؛ لأن الحنيفية السمحة – كما يقول الشاطبي- رحمه الله: إنما أتى فيها السماح مقيداً بما هو جارٍ على أصولها و ليس تتبع الرخص و لا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها .. ثم نقول: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، و الشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى فهذا مضاد لذلك الأصل، المتفق عليه و مضاد أيضاً لقوله تعالى: ((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول)) ([38] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn38))، و موضع الخلاف موضع تنازع فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، و إنما يرد إلى الشريعة و هي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض. ([39] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn39))
المبحث الثاني: حكم العمل بالقول الراجح و الإفتاء به
المطلب الأول: أدلة العمل بالقول الراجح من القرآن.
1 - قوله تعالى: ((فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولو الألباب)) ([40] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn40))
قال القاسمي – رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية:
أي إيثاراً للأفضل، و اهتماماً بالأكمل. قال الزمخشري– رحمه الله: أراد أن يكونوا نقاداً في الدين، يميزون بين الحسن و الأحسن، و الفاضل و الأفضل. و يدخل تحته المذاهب و اختيار أثبتها على السبك، و أقواها عند السبر، و أبينها دليلاً و أمارة. و أن لا تكون في مذهبك كما قال القائل: و لا تكن مثل عَيْرٍ قِيدَ فانقاد، يريد المقلد. أ. هـ
و يدخل تحته إيثار الأفضل من كل نوعين، كالواجب مع الندب، و العفو مع القصاص، و الإخفاء مع الإبداء في الصدقة، و هكذا. ([41] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn41))
2- و قوله تعالى: ((و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)) ([42] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn42))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: فإذا كان أحد الدليلين هو الأرجح فاتباعه هو الأحسن. وهذا معلوم، فالواجب على المجتهد أن يعمل بما يعلم أنه أرجح من غيره، و هو العمل بأرجح الدليلين المتعارضين. ([43] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn43))
3- قوله تعالى: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله)) ([44] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn44))
قال الألوسي– رحمه الله: ((فأما الذين في قلوبهم زيغ)) أي: عدول و ميل عن الحق، و ميل عنه إلى الأهواء. و قال الراغب: الزيغ الميل عن الإستقامة إلى أحد الجانبين – و زاغ و زال و مال متقاربة لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل، و مصدره زيغاً و زيغوغة و زيغاناً و زيوغاً .. ، ((فيتبعون ما تشابه منه)) أي: يتعلقون بذلك وحده بأن لا ينظروا إلى ما يطابقه من المحكم و يردوه إليه، و هو إما بأخذ ظاهره غير المراد له تعالى، أو أخذ أحد بطونه الباطلة و حينئذٍ يضربون القرآن بعضه ببعض، و يظهرون التناقض بين معانيه .. و يحملون لفظه على أحد محتملاته التي توافق أغراضهم الفاسدة في ذلك، و هذا هو المراد بقوله سبحانه: ((ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله)) أي: طلب أن يفتنوا المؤمنين و المؤمنات عن دينهم بالتشكيك، و التلبيس، و مناقضة المحكم بالمتشابه. ([45] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn45))
فإن الله سبحانه و تعالى ذمّ الذين يتركون القول المحكم الظاهر و يتبعون المتشابه الخفي و هذا مثل ترك القول الراجح القوي الحجة و اتباع المرجوح الواهي الحجة.
¥