تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يمكن أن يقدر مثل هذا الجهد العظيم الذي بذلته دار الرضوان في سبيل تصحيح وإخراج هذا الكتاب الجليل إلا المختصون الذين يعرفون قيمة هذا الكتاب، الذي جمع فيه مؤلفه من خلال شرحه لمختصر الشيخ خليل عصارة ما في أمهات المذهب المالكي: المدونة، والواضحة، والموازية، والعتبية، وخلاصة ما في المختصرات المحررة في المذهب: مختصر ابن عبد الحكم، ومختصر ابن أبي زيد، ومختصر ابن الحاجب، ومختصر ابن عرفة، ومختصر الشيخ خليل، فضلا عن أهم ما تضمنته شروح هذه الأمهات والمختصرات كشروح المدونة، وشروح الرسالة، وشرح المازري لكتاب التلقين، والتوضيح للشيخ خليل في شرح مختصر ابن الحاجب، وشرح هذا المختصر لابن عبد السلام، ولابن هلال، وشرح بهرام على مختصر الشيخ خليل وغيرها، إضافة إلى تفاريق كتب الفتاوى والسجلات والوثائق كالمعيار للونشريسي، والنهاية والتمام في الوثائق والأحكام للمتيطي، ونوازل مازونه للمغيلي المازوني ...

فصار شرح الحطاب بهذا موسوعة جامعة للمذهب المالكي، فريدة في طرازها في الفقه الإسلامي، مع ما تحلى به مؤلفها من دقة وتحرير وضبط استيفاء وعزو وتصحيح، حتى قال فيه علامة الغرب الإسلامي أحمدو بابا التنبكتي: "لم يؤلف على خليل مثله في الجمع والتحصيل .. وقد استدرك فيه على خليل وشراحه وابن عرفة وابن الحاجب وغيرهم" (نيل الابتهاج ص338)، وأخذه بالسند إلى مؤلفه، وأجاز فيه العالم أحمد الفزاز بن محمد بن يعقوب (1086هـ) الذي انتشر عنه في بلاد شنقيط.

ومنذ أن ظهر الحطاب أصبح هذا الكتاب عمدة التدريس والقضاء والفتوى في كل بلاد الغرب الإسلامي، يستغني به العلماء ولا يستغنون عنه، ويبذلون كل غال ونفيس في تحصيله، كما حدث مع علامة دهره سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الذي يروي أحمد بن الأمين الشنقيطي في كتابه الوسيط أن "أمير مصر، ولعله محمد علي باشا، أتحفه بفرس من عتاق خيل مصر المعروفة بالكحيلات، فسئل عنها فقال: جعلتها حطابا" (الوسيط، ص37)، ومعناه عنده أنه باعها واشترى بثمنها الحطاب، وأثبت سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في ذيل نسخته ما يلي: "هذا الكتاب .. (اشتراه) عبد الله بن إبراهيم بن الإمام العلوي، أعلاهم الله جميعا آمين، بأربعة وأربعين مثقالا ونصف فصة من محروسة فاس". ويقدر هذا الثمن الذي دفعه ولد الحاج إبراهيم لاقتناء الحطاب بمقاييس اليوم بـ 6650 دولار أمريكي. وكنا نروي مسلسلا عن والدينا أن العلامة محنض بابه ابن اعبيد كان يقول: "لو اطلعت على الحطاب قبل الشروع في تأليف الميسر ما ألفته" لشدة إعجابه بتحريره واستقصائه، ولم يكن الحطاب قد وصل إلى بلاد القبلة قبل عهد محنض بابه (تـ1277هـ).

ويكفي للوقوف على قيمة هذا الكتاب كثرة رجوع علماء هذه البلاد الشنقيطية التي انتهت إليها رئاسة الفقه في الصحراء والساحل، فرجع إليه المرحوم العلامة محمد سالم ولد عدود في كتابه الفقهي الجامع "التذليل والتذييل للتسهيل والتكميل لفقه سيدي خليل" 3963 مرة في نحو أربع آلاف صفحة، أما الحطاب نفسه فقد عاد خلال تأليفه لكتابه إلى نحو ثلاثة آلاف مرجع بين الأعلام والكتب.

وهكذا ينضم هذا العمل النفيس إلى إنجازات صاحب دار الرضوان خادم العلم والدين أحمد سالك بن محمد الأمين بن ابوه تقبل الله أعماله الجليلة التي شملت حتى الآن نشر طبعة محققة من كتابي الكفاف ورحمة ربي مع شرحيهما للعالم الجليل محمد مولود بن أحمد فال (آده)، ونشر كتاب الميسر للعلامة محنض بابه بن اعبيد الديماني، وديوان محمد ولد الطلبه اليعقوبي، بعد أعمال جمع وتحقيق وافيين لهذين الكتابين.

ومهما كتبته عن هذا الشرح والجهد الكبير الذي قيم به لإخراجه بصورة طالما تمناها أهل العلم، وشيوخ المحاظر، وطلبة الفقه، ويرضى عنها المؤلف، ويستفيد منها الناس، فلن يدرك القارئ حقيقة أهمية هذا العمل الجبار، وجودته، وأناقته، ما لم ير بأم عينه، ويتصفح بيده، ويتجول بناظره، في هذه الطبعة الفريدة، نفع الله بها العلم والعلماء وطلابهم، وشيد بها سماء المعرفة، وثبت بها أركان الفقه، فما هي إلا كما قال وكتب البحر الزاخر والطود الشامخ علامة العصر اباه بن عبد الله حينما وصلت إليه: "وبعد فقد ألقي إلي كتاب كريم، وتحفة ثمينة، وطرفة عزيزة، ألا وهي نسخة من مواهب الجليل للشيخ محمد الحطاب مصححة منقاة من غلث النساخ المساخ، وزغل الفهوم، وبادي رأي القراء .. " إلى أن يقول: "فكان ظهور هذا الكتاب بشرى عظيمة لطلبة العلم، وفتحا قريبا لدارسي مذهب إمام دار الهجرة ومقلديه. ولو أن ظهور هذا الكتاب أدرك كبار شيوخ هذه البلاد لجعلوا يومه عيدا تقر به عين الفقيه منهم، ويثلج به صدر الدارس، وتطمئن له نفس المتبصر، فجزى الله الناشر والمحقق أحسن الجزاء، فما هو إلا ثمرة من غرس الدوحة اليعقوبية الموسوية، وما هو بأول بركات هذا البيت على هذا المذهب وطلبته، ولا جعله الله آخرها".

الحسين بن محنض

منقول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير