[رسالة علامة السودان (اأمين الحاج) إلى طالب العلم]
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[27 - 02 - 07, 12:14 ص]ـ
رسالة إلى طالب العلم الشرعي
هذه الرسالة أبعثها إلى كل طالب علم شرعي، لحبي له، وحرصي على ما فيه نفعه وصلاحه من إخواني وأبنائي، خارجة من قلب يحب لهم الخير، وناتجة من تجربة طويلة، عساها أن تجد لديهم نفوساً صافية، وقلوباً واعية، وعزيمة صادقة، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
أقول وبالله التوفيق:
1. احرص على ما ينفعك من تحصيل العلم النافع، واكتساب الهدي الصالح، والعمل على تزكية نفسك، فقد أفلح من زكاها.
2. اعلم أن هذا العلم دين فانظر ممن تتلقى دينك.
3. ابتغ بعلمك وجه الله والدار الآخرة.
4. لا تقلد دينك الرجال، ولكن در مع الحق والدليل حيث دار.
5. الجد والاجتهاد في طلب العلم، فمن جد وجد، ومن زرع حصد.
6. تسلح بالصبر والمصابرة، فهما عدة طالب العلم.
7. لا تخض في مسائل التضليل، والتفسيق، والتكفير، فقد زلت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام.
8. سل تفقهاً لا تعنتاً، ومن أمثلة التعنت في السؤال ما يأتي:
السؤال عن المتشابه من القرآن، فقد أدب عمر صبيغاً ونفاه وحبسه من أجل ذلك، حيث لا يُبنى على ذلك حكم من الأحكام.
السؤال عما لا ينفع علمه ولا يضر جهله، نحو السؤال عن عدد أهل الكهف؟ وما لون كلبهم؟
سؤال تصنيف للشيخ لمعرفة هويته.
سؤال امتحان.
سؤال مسابقات وفوازير.
السؤال عن الأغلوطات.
السؤال عما لم يقع ويحدث.
سؤال هزل ومضحكة.
السؤال عن توافه الأمور، كسؤال الرافضة ابن عمر عن دم البعوض.
السؤال عما سكت عنه الشارع، كالسؤال عن الساعة، وعن كيفية صفات المولى عز وجل.
9. احذر الجدل والمراء لمشايخك خاصة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، فمن مارى العالم كتم عنه علمه، ومن مارى الجاهل حقد عليه.
10. الحذر كل الحذر من بدعة إسقاط المشايخ والتحذير منهم التي ظهرت في الآونة الأخيرة، فأنت لست عليهم وكيلاً.
11. المسائل الخلافية التي تكافأت فيها الأدلة، نحو قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية، والبسملة فيها في الصلاة، اعمل فيها بما ترجح لديك، ولا تناكف وتجادل فيها.
12. المسائل المحدثة التي اختلف فيها أهل العلم، نحو مشروعية العمليات الاستشهادية وغيرها، تأخذ فيها بما يطمئن إليه قلبك، ولا تتخذ في ذلك موقفاً ممن خالفك في ذلك.
ومعلوم أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فقد خالف أحمد شيخه وأستاذه الشافعي رحمهما الله في تكفير تارك الصلاة كسلاً، فذهب أحمد إلى أنه كافر كفراً أكبر، وذهب الشافعي إلى أنه عاصٍ، ولم يؤثر ذلك في حبهما لبعض، ولم يمنع أحدهما أن ينتفع بعلم الآخر؛ وكذلك خالف ابن مسعود عمرَ في أكثر من مائة مسألة، وكان عمر يثني على ابن مسعود بأنه: "كنيِّف ملئ علماً"، وقال ابن مسعود عند استشهاد عمر: "لم يصب الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بمصيبة أعظم من ذلك".
فأين نحن من هذا السلوك الرفيع، والفقه العميق، ولماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، لماذا نقلد في ذلك المحدثين، ونترك الاقتداء بالسلف الصالحين؟! إن هذا والله لشيء مهين ثمَّ مهين.
13. الحذر غاية الحذر من التطاول على السلف الصالح من أئمة الدين، سيما المقتدى بهم، كالأئمة الأربعة وغيرهم.
14. إكرام المشايخ وإجلالهم من الدين، ولكن من غير غلوٍ ولا انتقاص لغيرهم.
15. إياك والسعاية ونقل ما يوغر الصدور، واعلم أن الثقة لا يبلغ، ولا ينقل كلاماً يفسد العلائق بين المشايخ أوغيرهم، ولا يكن حظك من حضور الدروس تتبع السقطات وتضخيمها ونقلها، فاحذر المشي بالنميمة، والسعاية بين الخلق، فإنه من العادات الذميمة.
ورحم الله القائل: "وقد يدخل النَّمام بيوت الله للعبادة فيخرج مأزوراً غير مأجور، يبدل ما سمع من الخطابة والتدريس بما شاءت له نفسه الخبيثة، وأوحى به إليه إبليس، وما كان أيسر أن يجتمع العلماء وينصف كل من نفسه، ولا يصدق من نم له على إخوانه، وإذا بلغه شيء يسوءه سأل عن صحته، وأحضر معه النمام يفضحه إن كان كاذباً، ويحذر الناس من شره إن كان صادقاً".
16. الحذر من الضجر، والفتور، والانقطاع عن التحصيل.
17. احرص على وقتك، وكن شحيحاً عليه، ولا تضيعه في غير فائدة لا في دينك ولا دنياك، وليكن الحظ الأوفر منه للاستذكار والمراجعة.
18. اعلم أن:
العلم صيد و الكتابة قيد قيِّد صيودك بالحبال الواثقة
لابد لك من التدوين والكتابة، فأسلحتك لطلب العلم وتحصيله الكتاب، والدفتر، والقلم.
19. استعن على الحفظ بترك المعاصي، وعدم معاشرة رفقاء السوء، والكسالى، ورحم الله الشافعي حين قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي
20. اقنع بالقليل، ولا تفكر في الكثير، فالغنى في القناعة، والسعادة في الرضا بما قسمه الله، وانظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك.
21. احذر كثرة الأكل المؤدي إلى كثرة الشرب، المؤدي إلى كثرة النوم.
22. اتق الله ويعلمك الله، بأن يجعل لك من أمرك رشداً، ويبارك في فهمك ووقتك.
23. احذر التسويف، وانتهز الفرص المتاحة حتى لا تغبن فيها.
وأخيراً أقول لك كما قال الخليل بن أحمد رحمه الله:
اعمل بعلمي1 وإن قصَّرتُ في عملي ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على صادق الوعد المبين محمد، وعلى آله وأصحابه الطاهرين الطيبين، وعنا معهم بفضلك وجودك يا رحمن يا رحيم.
¥