وفي مقال ساخر في الشرق الأوسط 16 سبتمبر ايلول 2010 كتب مأمون فندي " سائق التاكسي يقال له دكتور والسباك يقال له دكتور والموظف العام عندما يظهر على التلفزيون لا بد أن يشار إليه بلقب دكتور. ولا تعرف هل هذه الدكتوراه التي أخذها صاحبها هي دكتوراه عرفي أم دكتوراه متعة".
هذا يقودنا إلى الاستنتاج عن وجود آلاف من الأشخاص العرب ينتحلون صفة الدكتور دون حق ودون مؤهل. وعدد كبير منهم شخصيات معروفة في مجالات الإعلام والصحافة والاستشارات والديبلوماسية إلخ. فالهدف الرئيس من انتحال الصفة هي أن يحظى المنتحل باحترام وتقدير لا يستحقه وربما يحصل على عمل ليس مؤهلا للقيام به.
لا استطيع أن اتذكر عدد الأشخاص الذين رأيتهم خلال السنوات العشر الماضية يحملون هذا اللقب في رؤوسهم فقط وعلى كرت البزنس وعندما تسأل أحدهم عن موضوع التخصص واسم الجامعة يتلعثم ولا يعطيك جوابا واضحا وتستنتج أنه زائف. ثم تقابل آخر وبعد فترة من الاحتكاك تكتشف أنه لم يقرأ جريدة في حياته ولم ينفق فلسا على كتاب وليس لديه أي فكرة عما يحدث على الساحة سوى ما يسمعه من هنا وهناك أو من أخبار التلفزيون ويقول إنه دكتور. وثمة آخر يعترف أن قريبا له حصل على الدكتوراه في بلد آسيوي بعد أن دفع لشخص أكاديمي مبلغا من المال ليقوم بمهمة كتابة الأطروحة.
وتقابل آخر يفتخر أنه يعمل للحصول على دكتوراه من جامعة اكستر في بريطانيا وتسأله: ما الموضوع؟ ويقول بافتخار "معاوية بن سفيان" يأتي من الأردن على نفقة الحكومة لكي يقرأ ويكتب عن معاوية بن سفيان علما أن موضوع من هذا النوع يمكن أن يعمله في جامعة محلية أو عربية وبكلفة أقل. ثم يعود الدكتور للأردن ليعلم الآخرين عن معاوية بن سفيان.
وتجبرك الظروف أحيانا أن تلتقي مع آخر يحمل لقب الدكتوراه ويقول إنه درس في بريطانيا ثم تجد أنه غير قادر على كتابة جملة واحدة صحيحة نحويا باللغة الانجليزية.
ألا تتوقع من حامل دكتوراه حصل عليها في بريطانيا أن يكون قادرا على الحديث باللغة الإنجليزية بطلاقة وبأسلوب أكاديمي واضح وأن يكتب بسهولة وبلغة سليمة؟
قال لي أكاديمي حقيقي إنه من أصل 10 من حملة الدكتوراه 9 منها غير حقيقية وقد تم الحصول عليها إما بالدفع لشخص آخر ليكتب الرسالة أو الاطروحة أو بشرائها من معهد غير معترف به أو من مصدر مشبوه أو أن حامل اللقب قرر أن يمنح نفسه صفة الدكتور ليرفع من شأن نفسه.
رأيت قبل سنوات موظفا في أوائل العشرينات من عمره يتصفح وثيقة خضراء اللون كبيرة وينظر إليها بتمعن واعترف لي أنها شهادة دكتوراه في إدارة الأعمال حصل عليها مقابل 750 دولار من جامعة على الانترنيت علما أن مستوى تعليمه لم يصل إلى مرحلة الثانوية. وقال إنها ستمكنه من الحصول على وظيفة محترمة في بلده. وقلت له قد يكتشفون أنها شهادة لا قيمة لها! فأجاب بالقول " هذا لا يحصل لأنها طاسة وضايعة" أي فوضى ولا أحد يكترث.
لهذا لا تستغرب إذا وجدت ان الدكتور فلانا رجلا سطحيا لا يفقه ويتصرف كأنه حامل شهادة ابتدائية على أحسن الأحوال مهما كان المنصب الذي يتبوأه. لا تستغرب إذا وجدت أن الدكتور X يفتقر للثقافة والعلم والمعرفة ولا يحاول الحصول عليها. ولا تستغرب إذا وجدت شخصا متواضعا لا يهتم لهذه الألقاب ولكن تكتشف أنه عميق الثقافة والفلسفة وقادر على الكتابة والبحث والإنجاز.
لا تنخدع إذا جاءك شخص يحمل بطاقة تقول الدكتور كذا أو كذا أو يقدم نفسه لك بهذه الصفة. وثمة آخر يزعل إذا أشير إليه بالأستاذ أو السيد المحترم بل يريد تشديد كلمة الدكتور لكي يطمئن نفسه أنه ذو قيمة ويجب احترامه مما يجعل المرء يشك في شهادته. هؤلاء في واقع الأمر يعانون من نقص أو عجز ما في شخصيتهم.
أشدد أن هذا لا علاقة له بمن منح دكتورا فخرية لأنه ديبلوماسي أو سياسي أو عسكري أو رجل أعمال أو من الذين اكتسبوها عن طريق البحث والدراسة.
نهاد إسماعيل
إعلامي عربي - لندن