تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[توعية الأمة واجب في أعناق العلماء]

ـ[علي ياسين جاسم المحيمد]ــــــــ[06 - 03 - 07, 08:38 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أ. د. ياسين جاسم المحيمد

[توعية الأمة واجب في أعناق العلماء]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين وبعد:

فالقرآن الكريم كتاب هداية، ووثيقة السماء الخالدة، نزل ليهدي الله به قلوباً غلفاً، ويفتح به عيوناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقد جاء بدعوة صريحة للعلم، والنظر والتفكر. ويكفي أن أول ما أنار الله به جنبات الكون هو الأمر بالقراءة: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) سورة العلق /1، ولا نجد كتاباً سماوياً كرّم العلم والعلماء ودعا في مواضع كثيرة منه للتزود من العلم مثل هذا الكتاب الكريم: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) سورة الزمر /9، وقولة تعالى: (إنما يخشى الله من عبادة العلماء) سورة فاطر /28 وقولة تعالى: (وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) سورة المجادلة /11، وشّرف الله العلماء بمعينه فقال: (شهد الله أنة لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) سورة آل عمران /18.

ومن عظيم شأن هذا الكتاب أن جعل دعوته للعلم مفتوحة للبشر جميعاً، فظهر أثر ذلك في ظل دولة القرآن الأولى، وإذا بهذه الأمة المنطوية على نفسها، المنحصرة في مضارب الصحراء تفجر طاقات الكون، لتجوب آفاق الأرض، التي جعلها الله لها ذلولاً، ولتمشي في مناكبها غير معتدية ولا سالبة، وإنما هي فاتحة للعقول قبل البلاد.

ولقد كان الترغيب في طلب العلم من قائد الأمة الأول، ومعلمها وسيدها صلوات الله وسلامه عليه، فقد روى أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر).

وإن العلم الشرعي ليرجح على عقل العاقل، وما أحسن ما أنشده الشاعر:

علم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا

فالعلم قال أنا أحرزت غايته والعقل قال أنا الرحمن بي عُرفا

فأفصح العلم إفصاحاً وقال له بأينا الله في فرقانه اتّصفا

فبان للعقل أن العلم سيده فقبَّل العقل رأس العلم وانصرفا

ولابد من التساؤل: كيف ينزل علم العالم ليصير واقعاً للناس؟ ولعل أقرب إجابة إلى هذا هو أن يلتفت العالم أو طالب العلم إلى إصلاح قلبه ونفسه , ولعل أولى الصلة الحسنة بالله، أن يعرف المرء نفسه ليعرف ربه , فإذا أراد فطام العامة عن رذيلة البخل مثلاً , عالج أولاً شح نفسه , وتعرف على المراتب التي تدرج فيها والوسائل التي اصطحبها , وهو يستأصل من نفسه داء الشح , حتى إذا عرف عن خبرة خاصة ـ ما الذي صنع بنفسه؟ فإنه سوف يعرف ما يقول للناس , وسوف يصل بكلماته إلى صميم نفوسهم.

إن نفس طالب العلم ونفس العالم ينبغي أن تكون حقلاً لتجاربه الخاصة , ليعرف من خلال النتائج المستفادة أفضل البذور وأنسب الأوقات , وأجدى الأساليب. ومن صدق طالب العلم مع ربه يكون مدى ما يصيب من توفيق في عمله مع الناس.

ومن أعجب النقائض في دين الله ودنيا الناس، أن هناك نفراً ممن يتسمون بالدعاة يحسبون أن ما يقولونه لغيرهم من علم إنما هو أمر يخص المخاطبين , أو يعني الناس أجمعين إلا إياهم. والدعاة الذين يحيون على ذلك النحو المتناقض هم آفة الإيمان وسقام الحياة , وهم الثقل الذي طالما مرغ المجتمعات في الأوحال، وغضب الله تعالى لا ينصب بشدة على مرتكب الخطايا من أهل الجهل، وإنما ينصب على أولئك الذين يقترفون الدنايا وهم يعلمون , وذاك سر تشبيههم بأنهم كالحمير: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) سورة الجمعة /5 , أو تشبيههم بأنهم مثل الكلاب: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير