ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} … (الأنعام: 63، 64).
إذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض فأشّر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات، فبكى الرجال، وصاح النساء، وفُجع الأطفال، وعم الرعب، وخيم الهلع، وعظم الفزع، وألحُّو في النداء، وعظم الدعاء: يا الله .. يا الله .. يا الله، فأتى لطفه، وتنزلت رحمته، وعظمت مِنَّتُه، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس، وهبطت الطائرة بسلام.
إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وفادته، وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات، لجأت إلى منفس الكربات وقاضي الحاجات، ونادت: يا الله .. يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها.
إذا حلت بالعلم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عنه الصواب، وعز عليه الجواب، مرغ أنفه بالتراب، ونادى يا الله .. يا الله، يا معلم إبراهيم علمني، يا مفهم سليمان فهمني، اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، فيأتي التوفيق وتُحل المغاليق.
فهو - تعالى - الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة. يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء، ويدعوه آملاً في الشفاء.
ويتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا، والخلف من كل فائت، والعوض من كل مفقود، {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} … (البقرة: 156).
ويتجه إليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه على ظالمه، فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} … (القمر: 10).
ويتجه إليه المحروم من الأولاد سائلاً أن يرزقه ذرية طيبة، {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً {6} يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} … (مريم: 4 - 7).
وكل واحد من هؤلاء آمل في أن يُجاب إلى ما طلب، ويحقق له ما ارتجى، فما ذلك على قدرة الله ببعيد، وما ذلك على الله بعزيز.
أي سكينة يشعر بها المؤمن حين يلجأ إلى ربه في ساعة العسرة ويوم الشدة، فيدعوه بما دعا به محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ من قبل: (اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين. وأغنني من الفقر).
فهو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، قال أبو بكر الكتاني: " جرت مسألة بمكة أيام الموسم في المحبة، فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد - رحمه الله - أصغرهم سناً. فقالوا له: هات ما عندك يا عراقي، فاطرق ساعة، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه فإن تكلم: فبالله. وإن نطق: فعن الله، وإن عمل فبأمر الله، وإن سكن: فمع الله. فهو لله، وبالله، ومع الله، فبكى الشيوخ، وقالوا: ما على هذا مزيد. جبرك الله يا تاج العارفين ".
إليه وإلا لا تُشدُّ الركائبُ ... ومنه وإلا فالمؤمِّلُ خائبُ
وفيه وإلا فالغرام ُ مُضيَّعٌ ... وعنه وإلا فالمحدِّثُ كاذبً
من علق نفسه بمعرفة غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدَّث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، ولا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزب عن نظره عازب، {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} … (يونس: 61).
نقلا من كتاب الله أهل الثناء والمجد
للدكتور ناصر بن مسفر الزهراني
أسأل الله أن يفرج همهم وهم كل مسلم ومسلمة
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[13 - 10 - 05, 04:51 م]ـ
جزاكم الله خيرا