فتنافسوا عباد الله في طاعة ربكم، وأروا ربكم منكم خيراً، وارباؤوا بأنفسكم عن مواطن الريب والشك، واحذروا من الوقوع في الذنوب والمعاصي فكل مؤاخذ بما فعل، وبما قال، قال تعالى: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " [ق 18]، وقال تعالى: " ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه " [يونس 61].
وورد عن بعض السلف الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً لليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها.
ولهذا ينبغي أن يتحراها المؤمن في كل ليالي العشر عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " [متفق عليه]، وقد أخفى الله عز وجل علمها، حتى يجتهد الناس في العبادة في تلك الليالي، ويجدوا في طلبها بغية الحصول عليها، فيظنون أنها في كل ليلة، فترى الكثير من الناس في تلك الليالي المباركة ما بين ساجد وقائم وداع وباك، فاللهم وفقنا لقيام ليلة القدر، واجعلها لنا خيراً من ألف شهر، فالناس بقيامهم تلك الليالي يثابون بإذن الله تعالى على قيامهم كل ليلة، كيف لا وهم يرجون ليلة القدر أن تكون في كل ليلة، ولهذا كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الإعتكاف في ليالي العشر من رمضان.
وليلة القدر لاتختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل هي تنتقل، أي قد تكون في عام ليلة خمس وعشرين، وفي عام آخر ليلة ثلاث وعشرين وهكذا فهي غير ثابتة بليلة معينة في كل عام. كما سبق ذكره من الأدلة.
فضائل ليلة القدر:
1ـ أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.
2ـ أنها ليلة مباركة، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}.
3ـ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.
4ـ فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر}.
5ـ تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة و الرحمة والمغفرة، قال تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}.
6ـ ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولايخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر}.
7ـ فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عزوجل، قال صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " [متفق عليه].
فليلة هذه فضائلها وخصائصها وهباتها، ينبغي علينا أن نجتهد فيها ونكثر من الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة، فإنها فرصة العمر، والفرص لاتدوم، فأي فضل أعظم من هذا الفضل لمن وفقه الله، فاحرصوا رحمكم الله على طلب هذه الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فإن المحروم من حرم الثواب، ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملاً بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم، أيها العاصي تب إلى الله واسأله المغفرة فقد فتح لك باب التوبة، ودعاك إليها وجعل لك مواسم للخير تضاعف فيها الحسنات وتمحى فيها السيئات فخذ لنفسك بأسباب النجاة.
فالبدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من هذا الشهر، فعسى أن نستدرك به ما فات من ضياع العمر، فيما لا فائدة فيه، فكم نشيع كل يوم ميت، ونودعه وندفنه، فتسال الدموع على الوجنات، ثم ما نلبث أن ننسى ونعود إلى ما كنا عليه من غفلة وضياع، فهذه العشر الأخيرة من رمضان قد تكون آخر ليالي ندركها فالموت بالمرصاد، إن لم يأت اليوم فغداً آت لا محالة، فاستعدوا بالعمل الصالح، والرغبة فيما عند الله تعالى من النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، فعلينا بالجهاد الذي لا قتال فيه، ألا وهو جهاد النفس، فنجاهدها نهاراً بالصيام، ونجاهدها ليلاً بالقيام، فمن جمع لنفسه بينهما، ووفى بحقوقهما فهو من الصابرين الذين يوفين أجرهم بغير حساب.
¥