تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في السابق قبل وجود هذه المطابع إذا احتجت إلى كتاب: إما أن تستعيره وتحرص على قراءته والفراغ منه ثم تعيده إلى صاحبه، أو تنسخ الكتاب "وكتابة الكتاب ونسخه أفضل من قراءته عشر مرات"، ويستفيد الطالب بهذه الكتابة كما أنه يستفيد إذا استعار الكتاب لأن يوماً من الأيام لا بد أن يرد على صاحبه، بخلاف إذا اقتناه الإنسان، والاقتناء غير متيسر للسواد الأعظم من طلاب العلم، فيصعب على طلاب العلم اقتناء الكتب قبل وجود المطابع، فأوجدت هذه المطابع، وهي بقدر ماهي نعمة من نعم الله ـ جلّ وعلا ـ إلا أن لها من الأثر على الحفظ ودراسة هذه الكتب ما يشاهده كل أحد.

في أول الأمر، في بداية الطباعة أفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، وأجازوا طباعة كتب التواريخ والأدب واللغة وما أشبهها، ولاشك أن هذه في أول الأمر نظرة طبيعية؛ لأن هذه الكتب توجد ريبة في قلوب العلماء، لأنهم يعرفون من آثارها ما يعرفون، فإذا كان الأمر قبل الكتابة الاعتماد كله على الحفظ، ثم بعد ذلك لما انتشرت الكتابة صار الاعتماد على الكتابة، والكتابة تحتاج إلى معاناة، وبالمعاناة يثبت العلم، ثم بعد الطباعة حصل أن طالب العلم يجمع من الكتب أضعاف ما كان عند شيوخه، ومع ذلك لا يعرف عنها شيئاً، يعني طالب العلم الحريص المجتهد الذي إذا اشترى الكتاب قرأ المقدمة وصار عنده تصور عن الكتاب، وأما أن يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، مع كثرة المطبوعات لا شك أن دونه خرط القتاد، ثم استمر الأمر بعد الطباعة إلى أن ظهرت هذه الحواسب التي يسرت كثيراً على المتعلمين، وبضغطة زر في ثواني تحصل على ما تريد، ولكن القاعدة " أن ما أخذ بسهولة يفقد بسهولة " يعني تضغط زر وتستخرج ما تريد من النصوص من الكتاب والسنة، بالطرق والأسانيد، فستخرج ما تريد من أقوال العلم بسهولة، لكن ما الذي يثبت من هذا العلم الذي يؤخذ بسهولة، إذا فقد الكهرباء عاد طالب العلم عامياً، وهذا هو الواقع؛ لأن العلم متين يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى حفر في القلوب، ما يحتاج أن يمر مرور السراب، ومثلنا لذلك: بمن يمشي على رجليه في شارع من الشوارع، وهذا الشارع فيه محلات تجارية، وينظر في هذه العناوين الموضوعة على المحلات، فإذا انتهى من الشارع يكون قد حفظ شيئاً كثيراً، وعرف ما في هذا الشارع من المحلات، لكن إذا مر بهذا الشارع بالسيارة، هل يحفظ منها شيء؟ أو يعرف المحلات؟ لا يعرف شيء.

فالذي يمر بسرعة لا شك أنه لا يثبت في القلب منه شيء. . .

وقد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك، فهل نكتب الكتب ولا نعتمد على الطباعة؟

نقول: لا، فالطباعة فرضت نفسها، وقد يقول قائل: هل نترك هذه الحواسب؟

نقول: لا يا أخي، إذاً كيف يتفق هذا مع ما ذكرت؟ نقول الكتب يقتنى منها ما يحتاج إليه، لأن كثرة التصانيف كما قال ابن خلدون مشغلة عن التحصيل.

وأما بالنسبة لهذه الحواسب فلا يعتمد عليها، ولا يعول عليها في بناء طالب علم أبداً، فطالب العلم لا يعتمد عليه البته في بناءه العلمي، وإنما يتعلم على الجادة: على طريقة من سبق بحفظ المتون، ومجالسة الشيوخ وملازمتهم، وبمطالعة الشروح والحواشي، ثم بعد ذلك يستفيد من هذه الآلات، فإذا أراد أن يخرج حديث يخرجه بنفسه من الكتب، وإن استطاع أن يخدم نفسه بنفسه دون الفهارس فهو أولى.

وقد يقول قائل: إن في هذا إضاعة وقت؟ نقول: نعم، ولكن وقت في سبيل التحصيل، وأنت تريد حديثاً من الأحاديث في طريقك إلى الوقوف على هذا الحديث تمر بأحاديث كثيرة، أنت قد تكون بحاجة إليها أشد من الحديث الذي تنشده وتطلبه.

وأيضاً أن أردت أن تقف على مسألة من مسائل العلم، وتوصلت إليها بنفسك، ما توصلت إلا بعد أن مررت على مسائل كثيرة.

- كثير من طلاب العلم مع الأسف يقول: الناس في عصر السرعة، وتعدو هذا الكلام وتخطوه، فالآن في لحظة تأخذ ما تريد؟ فنقول: نعم، ولكن ما النتيجة؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير