تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

? فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث فإنه غير مأمون. ثم دخل به على رسول الله ? فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه. قال: أرسله يا عمر، ادن ياعمير، فدنا … قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه. قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا؟ قال: اصدقني ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك. قال: بلى، قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال لي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق …. " ثم استأذن رسول الله ? في أن يرجع إلى مكة ليدعو إلى الإسلام ويؤذي المكيين في دينهم فأذن له رسول الله ?. قال ابن كثير: " فأسلم معه قوم كثيرون ".

وهذه السياقة تكشف أمورا خطيرة، لعل من أهمها:

1 – أن الكيد القريشي الذي يدفعه غل الشرك المتمكن من القلوب لم ينته بعد وقعة (بدر)، وإنما ازداد ضراوة واضطراما 0

2 - أن التكفل الرباني بحفظ محمد ? لم يبدأ بنزول آية المائدة (والله يعصمك من الناس)، وهي آية مدنية لا يثبت خلاف في مدنيتها، بل هي من أواخر ما نزل، وإنما بدأ الإعلان عن هذه الحماية منذ نزلت آية الحجر:

(إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر / 95]

3 – تعدد الطرائق الرحمانية في وقاية رسول الله وكفايته، وهذا باب واسع له ما وراءه، ونرجو أن نوفق في تقديم صورة واضحة له إن شاء الله في مقام آخر.

4 – الذكاء النبوي في التعامل مع الخصم، وهو ذكاء تزكيه الثقة العميقة في الله تعالى أنه معه وناصره.

5 – شدة التفاف الصحابة الكرام حول نبيهم رسول الله ?، وحرصهم على أن يكونوا كما قال فيهم ربهم جلا وعلا:

(وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ) [التوبة / 120

دوافع الخطة اليهودية:

نخلص من هذا التمثل السابق عامة إلى أن ألوان الحماية يمكن وصفها بأنها (حماية معجزة)، وهي التي أطلق عليها القرآن مصطلح (يعصمك)، فإن العصمة تحمل من المعاني ما تعجز عن حمله كلمات أخرى قد يعدها المنظور المعجمي مرادفات لها، وذلك أنها تعطى دلالات ما يمكن تسميته (بالحماية المناعية) أكثر من دلالات (الحماية الدفاعية)، وهذا هو الذي عبر عنه أكثر من رجل، منهم سراقة بن مالك، بقوله: " الرجل ممنوع ". وهذا هو الوجه الباهر الذي كان يصطدم به المشركون – إمكانيات ومشاعر أيضا – لعله السبب المباشر في أن معظم من حاولوا قتل النبي صلوات الله عليه أسلموا.

إلا أن هذه المحاولة التي سنعرض لها الآن لها مذاق خاص من حيث التدبير ومن حيث وسيلة الوقاية، ومن حيث الأثر في (الفاعل) خاصة، وفي مسيرة الدعوة عامة؛ وهي محاولة زينب بنت الحارث اليهودية – تلك المحاولة التي يشعر متمثلها بالمذاق اليهودي في كل خطوة من خطواتها.

فقد حكيت خيوطها بعد غزوة (خيبر)، وهي تعد آخر معاقل اليهود في الجزيرة بعد إجلاء يهود بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، إذ تجمعت أشلاؤهم الممزقة، وأعضاؤهم المفرقة في (خيبر) وتحصنوا بها ظانين المنعة في هذه الحصون. إلا أن يد التوحيد متمثلة في محمد وصحبه لم تبق لهم باقية، وتحطم حصن (خيبر) العظيم، وفتحت المدينة واضطرت للاستسلام والمصالحة.

ومنذ هذه الساعة تبددت آمال اليهود في الاحتفاظ بأدنى شوكة في مقابل شوكة الإسلام في جزيرة العرب، فليعمل الحقد اليهودي عمله، وليمارس هوايته التي تنم عن هويته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير