[رفع الإشكال عن التفاضل بين طلب العلم والعبادة]
ـ[ذات المحبرة]ــــــــ[20 - 03 - 07, 05:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أثابكم الله ..
نريد منكم تعليق على كلام الذهبي -رحمه الله- لمزيد من الفائدة ..
قال الحافظ العجيب الذهبي في السير (7/ 167):
هل طلب العلم أفضل أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟
فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم وذهنه جيد فالعلم أولى ولكن مع حظ من صلاة وتعبد
فإن رأيته مجدا في طلب العلم لا حظّ له في القربات فهذا كسلان مهين وليس هو بصادق في حسن نيته.
وأما من كان طلبه الحديث والفقه غية ومحبة نفسانية فالعبادة في حقه أفضل بل ما بينهما أفعل تفضيل وهذا تقسيم في الجملة فقلَّ - والله - من رأيته مخلصا في طلب العلم.
دعنا من هذا كله فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية وأخذ عن شيخ لا يعي وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم أو لرضيع يبكي أو لفقيه يتحدث مع حدث أو آخر ينسخ وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس والقارىء إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء سواء تصحف عليه الاسم أو اختبط المتن أو كان من الموضوعات فالعلم عن هؤلاء بمعزل والعمل لا أكاد أراه بل أرى امورا سيئة نسأل الله العفو. اه
الجواب:
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
فهذا موضوع يضل فيه فريقان
الأول يزهد في العلم ويرغب عنه بسبب قلة الإخلاص، وعدم العمل به
وفريق يزهد في العبادة، ويزدري العباد، ويزهو بعلمه الذي ليس له منه نصيب
وكثيرًا ما يخرج كلام بعض العلماء في ذم بعض التصرفات قاسيًا قويًا لشدة أثر الواقع عليه، فيظن بعض الناس أن هذه الكلمة تؤخذ على عمومها، فينزلها على وقائع لا تصلح لها
والعاقل هو الذي يضع كل شيء في موضعه ويحمل كلام أهل العلم على محمله الصحيح
والذهبي يتحدث عن المفاضلة بين العبادة والعلم، وهذا إنما يكون حين يتعارضان في حق العبد، والأصل عدم المعارضة
فإن العلم إنما يراد ليعبد الله به، وللعمل به، فكل علم خلا عن عمل فلا خير فيه
لكن العلم له نهمة وصاحبه المولع به قد ينجر به نهمه إلى الدخول فيما لا فائدة فيه، ولا ثمرة له، ويكون هذا على حساب عبادته وكثرة صلته بربه
ومنهم من يكون حظه منه بقدر ما فيه فائدته، ويبقى جهده ووقته في التعبد والطاعة
ثم إن كثيرًا من الناس ينظر إلى العبادة على أنها الصلاة والذكر والصوم والحج فقط
ويغفل عن جانب عظيم من العبادة وهو دعوة الناس وتعليمهم والصبر على أذاهم ونصحهم وتوجيههم إلى الخير
ويغفل عن جانب من العبادة عظيم وهو طلب العلم ذاته، فهو عبادة في ذاته
والتفضيل في هذه المسألة يكون بالنظر إلى الجملة، وإلى التفصيل
فالجملة هو أن العلم أفضل من التعبد؛ لأن العلم ينفي الجهل عن نفسه وعن غيره والعابد إنما يتعبد فقط
ثم إن العبادة إنما تصح بشرط العلم، فعبادة لا علم فيها عبادة نصرانية ضالة
وعلم لا عبادة فيه علم يهودي مغضوب عليه
وعلم فيه عبادة هو طريق المنعم عليهم من الرسل والأنبياء والصديقين والصالحين
وهذا من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل فإنه ينقسم إلى قسمين
الأول هو ما ذكره الذهبي هنا، من أن العلم أفضل في حق من كان له نهمة فيه، وله فيه فهم جيد
والعبادة أفضل لمن لم يكن كذلك
الثاني: ما في الواقع، وهنا تختلف مقامات الناس
وعلى هذا الواقع ينزل كلام الذهبي في ذمه لمن رأى في عصره
من تعلقهم بالمظاهر والرسوم، وقلة الإخلاص، وعدم تحقيق العلم والعناية به
فمن الخطأ إنزال كلامه على جميع الحالات والصور
بل إنما يكون على ما يناسبه من الواقع المعاصر
والإخلاص أمره عزيز وشديد، والأشياء التي تنازعه كثيرة، وقل من يحققه تحقيقًا لا يدخل عليه فيه غير الله
بل تتناوبنا المصالح الخاصة، والشهوات المختلفة، والأغراض المتباينة
لكن يبقى النصيب الأعظم والدافع الأكبر هو ما عند الله
ولهذا لما سئل أحمد هل طلبت العلم لله، قال: الإخلاص عزيز، ولكن شيء حبب إلى نفسي
ولا يمكن أن نطعن في نيته، ونقول إنه طلبه لغير الله
ولكن دعوى أنك إنما تطلبه لوجه الله فيه تزكية للنفس، وتغرير بها
وإنما الحال أنك تتعلم لرغبة في العلم ثم يقودك العلم إلى الأخلاص وأنت لا تشعر
دون أن تزكي نفسك، أو ترفع من نفسك، وتظهر سريرتك
فالعلم محمود لذاته، ولما يقود إليه، فهو القائد إلى الإخلاص، وما قيمة الإخلاص بلا علم
فكأن الإمام أحمد أراد أنه أول طلبه للعلم إنما هو شيء حبب إليه، ووجد فيه نهمته، ثم قاده هذا العلم إلى الإخلاص
وقد يثاب العبد على فعل الأمور المحمودة ولو يمكن له فيها نية لله تعالى، وأعني بهذا أنه يثاب في الدنيا، وقد يقوده هذا إلى ما يحبه الله ويرضاه
والله أعلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ عبدالسلام بن ابراهيم الحصين حفظه الله
¥