تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجواب من وجوه أحدها أن يقال: ماذا على الرسل الكرام من معاصي أممهم وأتباعهم؟! وهل يقدح ذلك شيئا في نبوتهم أو يغير وجه رسالتهم؟! وهل سلم من الذنوب على اختلاف أنواعها وأجناسها إلا الرسل صلوات الله وسلامه عليم؟! وهل يجوز رد رسالتهم وتكذيبهم بمعصية بعض أتباعهم لهم؟! وهل هذا إلا من أقبح التعنت! وهو بمنزلة رجل مريض دعاه طبيب ناصح إلى سبب ينال به غاية عافيته فقال: لو كنت طبيبا لم يكن فلان وفلان وفلان مرضى! وهل يلزم الرسل أن يشفوا جميع المرضى بحيث لا يبقى في العالم مريض؟! هل تعنت أحد من الناس للرسل بمثل هذا التعنت؟!

الوجه الثاني: أن الذنوب والمعاصي أمر مشترك بين الأمم لم تزل في العالم من طبقات بني آدم عالمهم وجاهلهم وزادهم في الدنيا وراغبهم وأميرهم ومأمورهم، وليس ذلك أمرا اختصت به هذه الأمة حتى يقدح به فيها وفي نبيها.

الوجه الثالث: أن الذنوب والمعاصي لا تنافي الإيمان بالرسل، بل يجتمع في العبد الإسلام والإيمان والذنوب والمعاصي، فيكون فيه هذا وهذا. فالمعاصي لا تنافي الإيمان بالرسل وإن قدحت في كماله وتمامه.

الوجه الرابع: أن الذنوب تغفر بالتوبة النصوح، فلو بلغت ذنوب العبد عنان السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب الله عليه، قال تعالى: (قُل يا عِبادي الَّذَينَ أسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَهِ إِنّ اللَهَ يَغفِرُ الذنوبَ جَميعاً إِنه هُو الغَفورُ الرَحيم) فهذا في حق التائب، فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوحيد يكفر الذنوب، كما في الحديث الصحيح الإلهي: ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك به شيئا لقيتك بقرابها مغفرة فالمسلمون ذنوبهم ذنوب موحد إن قوي التوحيد على محو آثارها بالكلية، وغلا فما معهم من التوحيد يخرجهم من النار إذا عذبوا بذنوبهم. وأما المشركون والكفار فإن شركهم وكفرهم يحبط حسناتهم، فلا يلقون ربهم بحسنة يرجون بها النجاة، ولا يغفر لهم شيء من ذنوبهم، قال تعالى: (إِنّ اللَهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرِكَ بِهِ، وَيَغفِرُ ما دونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاء) وقال تعالى في حق الكفار والمشركين: (وَقَدِمنا إِلى ما عَمِلوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلناهَ هَباءً مَنثوراً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبى الله أن يقبل من مشرك عملا) فالذنوب تزول آثارها بالتوبة النصوح، والتوحيد الخالص، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة لها، وشفاعة الشافعين في الموحدين، وآخر ذلك إذا عذب بما يبقى عليه منها أخرجه توحيده من النار؛ وأما الشرك بالله والكفر بالرسول فإنه يحبط جميع الحسنات بحيث لا تبقى معه حسنة. ا. هـ.

والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير