كنا يوم الجمعة الماضي، الموافق لـ 16/ 3 / 1427هـ في دَرسٍ عند الشيخ / محمد بن طالب الشنقيطي - وفقه الله - في أحَدِ مساجد الرياض نُسَمِّع في (متن التوحيد) وكان عددنا قرابة الثمانية، وكان معنا أخ يُسمى (أبو معاذ / فهد العنزي)، ولما أتى دور هذا الأخ " فهد العنزي " في التسميع وهو يرتل المتن ويترنم به، ووالله على عدد مرات التسميع ما سمعت أذني بجمال هذا الترنُّم، وفي المتن الذي يُسمِّعه ذكرُ الشهادتين " أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله "، فلما ذَكَرهما أطْرَق برأسه!، فقلنا: لعله خَشَع مع توحيد الله تعالى، لكن الشيخ قام ولَمَّا لَمِسَه وناداه سَقط على الأرض ميتاً!.
ثم ذهبنا به إلى المستشفى فأخبرنا بعضُ الأطباء بأن روحَه قد أسلمت لبارئها - جل جلاله -.
ويظل السؤال الذي ينبغي أن نسأل عنه أنفسنا: على ماذا مات أخونا الكريم (فهد)؟!، لقد مات على الشهادة! .. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كان آخر كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة) (1).
ألاَ فيالَهَا من خاتِمَةٍ حَسَنة .. عديدة المناقب والمحاسن .. عظيمة الشأن .. جليلة القَدْر!.
لقد مات (أبو معاذ) وآخر ما تلفظ به شهادة التوحيد، وفي مجلسِ طَلَبٍ عِلْمٍ في بيت من بيوت الله والذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه: (ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله - وفي رواية ابن حبان: في مسجد من مساجد الله - يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) (2)، وقد مات بعد أدائه فريضة العشاء جماعةً، ومع رفقة صالحة شَهِدوا جنازته .. فيالها من خاتمة حسنة .. وياله من حظ عظيم!.
ولعل هناك سريرة حسَنة لعبد الله (فهد) مع ربِّه مَنَّ بها - تعالى - عليه كإخلاصه في طلبه العلم وصدقه مع ربه في ذلك، أو قيام ليل أو صيام تطوع أو صدقة أو غيرها من العبادات التي يُستطاع إخفاؤها حتى لا يعلم بها أحدٌ إلا الله حتى لعل الله الكريم - تبارك وتعالى - شاء أن يُظهر تلك السريرة الحسَنة بهذه الخاتمة الحسَنة العظيمة التي يتمنها المؤمنون في كل مكانٍ وزمان! .. و [ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] (3).
فهل – يا إخوة الإيمان - مِن مشمِّر إلى ربه الكريم الرحمن طائعاً له منكسراً بين يديه .. مجتنباً معاصيه .. مُخْلصاً له الدِّين!؛ ولسوف - واللهِ - يُرضي اللهُ عبداً كان له كذلك، ومَن كان لله كذلك فسوف يرزقه الله من الأنس والسعادة الحقيقة الغامرة في الدنيا ما ينسيه الملذات المسمومة الناتجة عن المعاصي، [وَلأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (4)، وإلا فلا يلومَن المحاربون ربَّهم بالذنوب .. المبارزون له بالمعاصي إلا أنفسهم إن أبوْا إلا الإقامة عليها حتى جاءهم " ملَكُ الموت " وهم كذلك!.
وجملة القول في قوله تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا] (5).
اللهم يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والإكرام .. استعملنا في طاعتك، واهدنا صراطك المستقيم، وثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأحْسِن خاتمتنا وخاتمة إخواننا وأحبابنا أهل السنة .. واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واجعل خير أيامنا يوم لِقَاك يارب العالمين ..
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى ذرياته وأصحابه أجمعين، وعلى تابعيهم وتابع التابعين، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً.
منقول من منتدى أنا المسلم
ـــــــــــــ
(1) صحيح: أخرجه أبو داود برقم (3116)، وأحمد في " مسنده " برقم (22087)، والبزار في " مسنده " برقم (2626)، والطبراني في " المعجم الكبير " برقم (221)، والبيهقي في " شعب الإيمان " برقم (22)، والحاكم في " مستدركه " برقم (1299) .. كلهم عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - مرفوعاً، وقال الحاكم عقِبه: (هذا صحيح الإسناد ولم يُخَرِّجاه)، وصححه ابن الملقن في (البدر المنير، 5/ 188) والألباني في (صحيح سنن أبي داود، م 3116)، وقال ابن العربي كما في (عارضة الأحوذي، 2/ 369): (ثابت صحيح من طُرق كثيرة)، وكذا قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه (ثابت) كما في (مجموع الفتاوى، 10/ 227).
وقد جاء عند مسلم في " صحيحه " برقم (915) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وبرقم (917) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لقنوا موتاكم: " لا إله إلا الله ").
(2) صحيح: أخرجه مسلم في " صحيحه " برقم (2699)، وابن حبان في " صحيحه " برقم (768)، وأبو داود برقم (1455)، والترمذي برقم (2945)، وأحمد في " مسنده " برقم (7421) .. كلهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً.
(3) سورة الحديد، من الآية: 21 .. (نسأل الله الكريم من فضله).
(4) سورة النحل، من الآية: 41.
(5) سورة فصلت، من الآية: 46.
¥