تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا تحتاج أوساط العلم المعاصرة ودوائر التحقيق الشرقية والغربية الجادة اليوم إلى تعريف بشخصية جامعة عملاقة كالدكتور محمد حميد الله ومآثره العلمية الجليلة وبمكانته الفكرية السامية. فكان القرن العشرون باستثناء بعض السنوات قرنه كاملاً. وقد قضى حياته الطيبة كلها بسذاجة وطهارة، فما اشتغل بالدنيا الدنينة قط إلا رسماً وتكلفاً، فلم تتح له فرصة الزواج على غرار بعض السلف في التاريخ الإسلامي، وما بنى له داراً. غادر وطنه المألوف حيدر آباد الدكن بعد الاحتلال الهندي لها مغادرة لم تنته حتى وافته المنية عام 2002، و لم يحصل كذلك على جنسية لبلد آخر، ولم يؤسس دكاناً ولا داراً ولا ضيعة، وعاش حياته في شقة مستأجرة متواضعة، حيث لم تتوفر الأثاث الفاخر ولا أسباب الترف، يتراكم فيها الكتب والمجلدات بحيث لا تعد ولا تحصى حتى لا تتواجد فيها دار الضيافة والرعاية التقليدية، لأنه كان يكتفي من طعام وشراب بما يسد رمقه ويبقى على قيد الحياة. وقد هجر أكل اللحوم منذ أزمان بعيدة، فيعيش على البقول والخضراوات ويكتفي ببعض البدلات من الملابس سائر فصول السنة طوال حياته. كان يقوم بجميع أعماله بنفسه مستغنياً عن الخدم، يحرر مكاتيبه بنفسه، يستخدم في الكتابة القطع الصغير من الأوراق ويكتب بخط دقيق ويملأ الصفحة كلها حتى لا يضيع شيء، ويستغل أقل مساحة لأطول مبحث. وعليه فإنه يعطى للدين كله دون أن يأخذ من الدنيا شيئا. عاش عيشة عابر سبيل يصدق عليها قول الرسول الكريم "مالي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها".

عاش الدكتور محمد حميد الله حياته كلها بعد مغادرة مدينة حيدر آباد الدكن في سفر متواصل دائم، وكان يلم ويمر بكل بقعة من بقاع العالم سوى الدولة الآصفية (الدكن المحتلة) وأرض الفرنج الغاصبين، فكان يزور كل البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. و كان يبقى مرتبطاً بخاصة برجالات العلم في العالم الإسلامي وبالمعاهد العلمية والبحثية والجامعات الهامة في تواصل دائم. وكل ما قام فردياً لتنمية العلم والتحقيق (يقتضي تفصيله بحثاً مستقلاً موسعاً) ما هو في جلالته قدره، إلا أنه من جلائل أعماله وخوالد آثاره أنه ظل طوال عمره متصلاً بالمشاريع العلمية والتعليمية والتحقيقية عبر العالم متعاوناً ومشيراً ومرشداً. وحظيت على وجه الخصوص المعاهد الإسلامية الدعوية والمساجد والجامعات التي تعنى بتدريس وتحقيق العلوم الإسلامية من القرآن والحديث وغيرهما من علوم الدين، بتعاونه العلمي الدؤوب وتقديره وتشجيعه المتواصل، لأنه كان مسلماً مؤمناً وعالماً محققاً خدم العلم طوال عمره عن طواعية ورغبة وإخلاص تام، وأنفق معظم حياته بين الباحثين الغربيين وعلماء الغرب ومستشرقيه. وكان يدرك تماماً بسوء نياتهم وبغضهم وحقدهم للإسلام وأهدافهم ومقاصدهم الدنيئة المتمثلة في أسلوب دراساتهم وأبحاثهم المنقية. وقام خير قيام بالتصدي للمستشرقين والعلماء الغربيين بنفس أسلوبهم. وبذل جهده المستطاع في إعداد مقالات وبحوث وكتابات رفيعة المستوى من ناحية التحقيق العلمي تتوافق وطرازهم البحثي ومعيارهم العلمي بل ربما تفوقه. وبذلك استطاع دحض اعتراضاتهم وتحقيقاتهم الزائفة وكشف اللثام عن المفاهيم الخاطئة التي روجوها عن الإسلام ورسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) وهجومهم على مصادره حتى تجلت المآثر الإسلامية وثبت تفوق المدنية الإسلامية على الغرب وحضارته واعترفت الدنيا كلها بهذه الحقيقة الناصعة. وكان يتكلم مع علماء الغرب وباحثيه الأدعياء والمستشرقين العنيدين بلغتهم وأسلوبهم. وبجانب تضلعه باللغات الأردية والفارسية والعربية والإنجليزية بصفتها لغات أهلية له، كان يتقن أو يلم باللغات الفرنسية والألمانية، والأطالوية والتركية والروسية. وقد تعلم التايلاندية قبل وفاته بعشر سنوات، وبإلمامه باللغات المتنوعة كان له شغف زايد بمجالات علمية مختلفة مثلاً اختص بدراسة القانون الإسلامي الدولي وتدوين الفقه الإسلامي، وفقه الإمام أبى حنيفة وغيرها من الموضوعات إلا أنه كانت تتمحور مساعيه وجهوده العلمية الكبيرة حول موضوعات متصلة بالقرآن والحديث والسيرة النبوية، فقد قدم في هذه المجالات وما يتعلق بها تحقيقات سامية وكتابات مبدعة باللغات العربية والأردية والإنجليزية والفرنسية،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير