الوحي، فهم أنصاره ووزراءه - رضي الله عنهم- وهم أفقه الأمة وأعلمها بالحلال والحرام، وأبرها قلوباً - رضي الله تعالى عنهم- ولا يبغضهم إلا منافق ولا يسبهم إلا ملعون.
وفي أبي بكر وعمر ينطبق قول الله –تعالى-: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} ([7]).فهؤلاء المتقون إذا مسهم طائف من الشيطان من غضب أو خصومة أو سوء تفاهم فسرعان ما يتذكرون، فيرجعون إلى الصواب والحق، فإذا هم مبصرون.
فالصحابة بشر يخطئون وهل هناك أعظم وأفضل من أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما- بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-؟! ومع ذلك حصل منهم ما يحصل من البشر من سوء التفاهم. فهم بشر يقع منهم الخطأ وليسوا ملائكة، ولكنهم راجعين إلى الحق.
6. استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم: فإن الإنسان إذا ظلم أخاه, أو تعدى عليه, أو أساء إليه, أو أخطأ في حقه، فإن المندوب له أن يأتيه، ويطلب منه أن يستغفر له، وأن يتحلل من هذا المظلوم. ويقول له: "سامحني حللني استغفر لي تجاوز عني "ونحو ذلك، فمن كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، ولكن بالحسنات والسيئات.
7. أن الإنسان إذا غضب على صاحبه فربما نسي اسمه وربما نسبه إلى أبيه أو جده: كما قال أبو بكر - رضي الله عنه- كان بيني وبين بن الخطاب شيء.
8. أن الركبة ليس بعورة؛ لأن أبا بكر جاء وقد حسر عن ركبتيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليه.
9. أن الإنسان لا ينبغي له أن يرد اعتذار من اعتذر إليه وأن يغلق الباب في وجهه، أو يرفض قبول الاعتذار، وهذه يعملها عدد من الناس، فمن فجورهم في الخصومة تراهم لا يقبلون الاعتذار، ولا يرجعون عن خطئهم، وربما يبقون سنوات، ولا يقبلون الاعتذار، وكلما حاول الشخص أن يعتذر إليهم لم يقبلوا منه، ربما إلى الممات لا يقبلون المعذرة ولا يسامحون، فهذه ليست من شيم المؤمنين، ولا من أخلاق المتقين، وإنما هذه من صفات المعاندين الذين ركب الشيطان على رؤوسهم فنفخهم, فجعلوا يرفضون الاعتذار والعودة والقبول للحق، وإنما شيم الرجال المؤمنون أن يكونوا لينين يقبلون عذر من اعتذر إليهم.
10. أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يعرف بالتوسم حال أصحابه: فلمجرد ما رأى أبا بكر قال: (أما صاحبكم فقد غامر) فعرف ما به من هيئته، وشكله، ومنظره، وطريقة تشميره عن ثيابه.
11. أن الإنسان إذا أراد أن يستسمح من آخر فليأته في بيته: فهذا أبو بكر لما أخطأ في حق عمر لحقه إلى بتيه، وكذلك عمر لما ندم جاء إلى أبي بكر في بيته؛ لأن الإتيان إلى البيت فيه مزيد من تطييب الخاطر، وإظهار الكرامة للمخطأ عليه؛ لأنه يأتيه في بيته، وفيه مزيد من الاعتناء بالاعتذار؛ لأنه ليس في الشارع أو بالهاتف أو يرسل له رسالة، أو يوكل شخصاً ويقول اعتذر لي من فلان، وإنما يأتيه في بيته. وهذا ما ينبغي أن يفعل عند حدوث الخطأ.
12. أن الإنسان إذا حدثت بينه وبين أخيه مشكلة لم يستطع أن يحلها فإن عليه أن يلجأ إلى الله ثم إلى أهل العلم، وأن يقص القصة دون زيادة ولا نقصان: فإن أبا بكر لما أيس من مسامحة عمر له جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وقص عليه الخبر حتى يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم- بالتدخل والمصالحة أو بيان الحق في مسألة أو حكم أو ونحو ذلك.
13. تواضع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-: وذلك لما جعل يقول: " والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم" ولم يشأ أن يسكت حتى النبي - صلى الله عليه وسلم- يشتد على عمر أكثر؟ لم يكن يسر أبا بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يشتد على عمر، وإنما كان أبو بكر يريد سرعة المسامحة والاعتذار، والتوبة مما بدر منه، وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يشتد على عمر، ولا يعنفه بمزيد من التعنيف؛ ولذلك تدخل أبو بكر ولم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - يكمل الاشتداد على عمر وجعل يعترف، ويقول: أنا كنت أظلم، رأفة ورحمة بأخيه عمر وإنقاذاً له من الموقف الحرج؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - يتكلم وليس كلامه ككلام غيره، وبحضرة الصحابة الآخرين، فهو موقف صعب على عمر، فلم يقل أبو بكر:أدعه يلقنه درساً لا ينساه حتى يتعلم مرة ثانية ألا يسئ إلي مرة ثانية؛!! كما يقع من بعضنا في مثل هذا الموقف فالصديق أرفع درجة من ذلك.
¥