خامساً: أسلوب العرض الجميل: فلما قربه إليهم ولم يمدوا أيديهم قال: ((ألا تأكلون)) أسلوب عالٍٍ في غاية اللطف!.
سادساً: حسن الاستقبال: من أين يؤخذ؟ يؤخذ من أن إبراهيم كان بابه مفتوحاً ((إذ دخلوا عليه)) والكريم دائماً بابه مفتوح.
سابعاً: أنهم لما قالوا له: ((سلاماً قال سلام)). فسلاماً هذه جملة فعلية، وسلامٌ جملة اسمية، لأنَّ سلاماً مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره فسلموا سلاماً، وسلام مبتدأ، أو خبر ((سلام قوم منكرون)) فهي جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد استقرار المعنى وثباته أكثر مما تفيده الجملة الفعلية، ولهذا قال –تعالى-: ((وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)) ([23]).
ثامناً: قوله: ((منكرون)) أي الضيوف الذين لا أعرفهم، فهو يرحب بمن يعرف وبمن لا يعرف، هذا من كرمه - عليه السلام – فهو يكرم الجميع وجاء بعجل حنيذ لناس لا يعرفهم.
تاسعاً: الإنسان يراقب أحوال الضيف حتى يعينه على المقصود، قال –تعالى-: ((فلما رأى أيديهم لاتصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة))، ([24]) وفي الآية الأخرى ((ألا تأكلون)) فالإنسان يراعي أحوال الضيف، وماذا يريد وما ينقصه، وبعض الناس يضعون السفرة ويمشون، ولا يدرون ماذا يحتاج الضيوف! فتفقد أحوال الضيوف على المائدة من إكرامهم.
عاشراً: المبالغة في الإكرام: فهو ذبح لهم عجلاً, ولم يذبح لهم ثوراً ,أو جاموساً, كبيراً قد قسي لحمه واشتد عظمه، فالعجل الذي هو صغار البقر لحمه طري.
الحادي عشر: من إكرام الضيف أن يتكلم معه ويحدثه، ليحصل الاستئناس، ولذلك رخص النبي - صلى الله عليه وسلم- في السمر للمصلي والمسافر، والذي عنده ضيف فلا بأس أن يسمر معه في الليل، وإلا فإن الأصل أن بعد العشاء نوم. ([25])
والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخلاصة التعريفية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى، ومنهم محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فلقد حدثت في التاريخ قصة عجيبة من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم – مع أصحابه وهي تبين لنا مدى تعامل الرسول مع أصحابه بكل تواضع .. تلك الروح الطاهرة والنفس المصطفاة على كثير ممن خلق الله، إنه تعامل عجيب بكل المقاييس – قائد من قادات الأمم، وسيد ولد آدم تبلغ به الأمور أن يعاني ما يعاني أصحابه من الجوع والعطش، والبلاء!! بل وأشد منهم تعباً وجوعاً وعطشاً .. وهذه القصة تبين لنا أيضاً آداباً نأخذها لنصلح بها وضعنا، وما وصلت إليه الأمة من التردي المشين في جانب الأخلاق .. تلك الأخلاق العليا التي رسمها لنا أولئك لن تتكرر في هذه الحياة إلا أن يشاء الله، ومن الأخلاق والآداب آداب الضيف والمستضيف، وآداب الضيافة ككل، وهناك فوائد أخرى في القصة منها: معرفة زهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإقتداء به، وضرورة إكرام العظماء والعلماء، وحكم الكلام مع المرأة الأجنبية، والشورى ومشروعيتها، وبيان خطورة البطانة وغيرها. ومن خلال ذكر آداب الضيافة ومسائلها يجدر بهذا المقام أن تذكر فيه آداب أخرى نأخذها من معلم الناس الضيافة وهو أبو الأنبياء: إبراهيم الخليل -عليه السلام- في قصته المشهورة مع الملائكة، وكيف احتوت تلك الآيات القصار على معاني جليلة. نسأل الله أن يرحمنا وأن يلحقنا بعباده الصالحين، وأن يتوفانا مسلمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
الفهرسة الموضوعية:
1. المقدمة.
2. نص الحديث.
3. شرح الحديث
4. فوائد الحديث.
- جواز الإخبار عن الضر – أنواع الشكوى.
- بيان زهد النبي صلى الله عليه وسلم.
- جواز الاستطعام عند الضرورة.
- اصطحاب الإخوان.
- إكرام العظماء.
- الكلام مع المرأة الأجنبية.
- إدخال المرأة البيت لمن يرضاه زوجها.
- حرمة الخلوة بالأجنبية.
- تقديم شيء للضيف أثناء انتظار الطعام.
- السؤال عن النعيم يوم القيامة.
- الجود من الموجود.
- المكافأة على المعروف.
- مشروعية الاستشارة.
- المستشار مؤتمن.
- صفات المستشار المؤتمن.
- بيان خطورة البطانة.
- الشر محيط بنا!.
- اختيار الجليس الصالح.
- أهل الشر يحكمون التخطيط للشر.
- أن النفوس عند بعضها.
- اختيار العمال والخدم الصالحين.
5. مسائل في الضيافة:
- إ كرام الضيف المسافر.
¥