منهج تتخذ فيه النفس أهبة الاستعداد لعدوّها المتربص بها ليغويها، فتستعيذ بربها منه، وتدفعه بما شرع لها فإذا كيده ضعيف، وإذا قدراته مدحورة عن عباد الله المخلصين .. فقد أعاذهم ربهم وكفاهم وحماهم هو مولاهم، فنِعم المولى ونِعم النصير ..
إنه منهج يضاد منهج قارون: " إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ".
إنه منهج ينابذ منهج الأبرص والأقرع: "إنما ملكته كابراً عن كابر".
إنه منهج يتبرّأ صاحبه أن يكون خصيماً مبيناً لربه الذي خلقه وربّاه بنعمه، أو ينازعه عظمته وكبريائه.
إنه منهج لا يتوافق مع مذهب"القوة" الذي يقول زعيمه "نيتشه": سنخرج الرجل السوبرمان الذي لا يحتاج لفكرة الإله؟!
إنه منهج يصادم منهج الثيوصوفي "وليام جيمس" ومذهبه البراجماتي، وأتباعه "باندلر وجرندر"، ومن سار على نهجهم من بعدهم: " أنا أستطيع .. أنا قادر .. أنا غني .. أنا أجذب قدري .. ".
تأمّل هذا - أيها القارئ الكريم - ولا يشتبه عليك قول الله _عز وجل_: " وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ "، فقد قال بعدها: " إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ "؛ فمنه يُستمد العلوّ، وبدوام الإلحاح والطلب منه تتحقق الرفعة ..
احذر - أخي - ولا يشتبه عليك قول الرسول المصطفى _صلى الله عليه وسلم_: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى? اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» فالمؤمن القوي ليس قوياً من عند نفسه، ولا بمقومات شخصيّته، تدريباته وبرمجته للاواعي! وإنما هو قوي لاستعانته بربّه، وثقته في موعوداته الحقة ..
تأمّل كلمات القوة من موسى -عليه السلام - أمام البحر والعدو ورائه: " قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " ... ثقته ليست في نفسه، وقد أُعطي - عليه الصلاة والسلام - من المعجزات وخوارق العادات ما أعطي!!! وإنما ثقته بتوكّله على الذي يستطيع أن يجعله فوق القدرات البشرية، بل يجعل لعصاه الخشبية قدرات لا يستطيعها أساطين الطقوس السحرية ..
تأمّل - أخي الكريم - هذه الكلمات النبوية «اسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ» ..
إنها كلمات الحبيب _صلى الله عليه وسلم_، يربّي أمّته على منهج الإيجابية والفاعلية، ليس على طريقة أهل البرمجة اللغوية العصبية ..
لم يقل: تخيل قدرات نفسك ..
لم يقل: أيقظ العملاق الذي في داخلك وأطلقه ..
لم يقل: خاطب اللاواعي لديك برسائل ايجابية، وبرمجه برمجةً وهمية ..
وإنما دعاك - عليه الصلاة والسلام - إلى الطريقة الربانية «اسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ» ..
فاستعن به وتوكل عليه، ولا تعجزن بنظرك إلى قدراتك وإمكاناتك، فأنت بنفسك ضعيف ظلوم جهول، وأنت بالله عزيز .. أنت بالله قوي .. أنت بالله قادر .. أنت بالله غني ..
ومن هذا الوجه، ومن منطلق فهم معاني العبودية، وفقه النصوص الشرعية، قال الشيخ الكريم والعلامة الجليل بكر أبو زيد - حفظه الله - في كتابه "المناهي اللفظية ": أن لفظة الثقة بالنفس لفظة غير شرعية ووراؤها مخالفة عقدية ... "
فإن رجوت - في زمان تخلّف عام يعصف بالأمة - رفعة وعزة ونهضة وإيجابية ... وإن أردت تواصلا -على الرغم من الصعاب - بفاعلية ..
وإن رغبت في نفض الإحباط عنك، والتطلّع إلى الحياة بنظرة استشرافية تفاؤلية؛ فعليك بمنهج العبودية على الطريقة المحمدية، ودع عنك طريقة باندلر وجرندر الإلحادية؛ فوراؤها ثقة وهمية ممزوجة بطقوس سحرية، وقدرات تواصل مادية، تشهد على فشلها فضائحهم الأخلاقية، ومرافعاتهم القضائية التي ملئت سيرتهم الذاتية.
فحذار من هذه التبعية إلى جحر الضب الذي حذّرك منه نبيك في الأحاديث النبوية، وحذار من استبدال الطريقة الربانية بتقنيات البرمجة العصبية، فإنها من حيل إبليس الشيطانية وتزيينه للفلسفات الإلحادية؛ لتتكل على نفسك الضعيفة وقدراتك البشرية فيكلك لها رب البرية، ويمدك في غيك بحصول نتائج وقتية، وشعور سعادة وهمية .. حتى تنسى الافتقار الذي هو لبّ العبودية، فتُحرم من السعادة الحقيقية التي تغنى بها من وجدها وبيّن أسباب حيازتها، فقال:
ومما زادني شرفاً وتيهًا ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك ياعبادي ... وأن صيّرت أحمد لي نبياً
د. فوز كردي
ـ[حمد أحمد]ــــــــ[25 - 08 - 06, 03:01 م]ـ
لا إله إلا الله، أحسنت بهذا النقل.
يا ليت يُنشر أيضاً في منتديات العوام.
ـ[حيدره]ــــــــ[25 - 08 - 06, 07:07 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
أخي نياف
محبك في الله
حيدره