تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلهي لا تعذب لساناً يخبر عنك (الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف)

ـ[نياف]ــــــــ[01 - 09 - 06, 04:10 م]ـ

إلهي لا تعذب لساناً يخبر عنك

(إلهي لا تعذب لساناً يُخبر عنك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدلّ عليك، ولا يداً تكتب حديث رسولك؛ فبعزتك لا تدخلني النار) [1].

هكذا كان ابن الجوزي-رحمه الله-يناجي ربه، وربما ابتهل إلى ربه قائلاً: (ارحم عبرة ترقرق على ما فاتها منك، وكبداً تحترق على بُعدها عنك) [2]

إن الانكسار والانطراح بين يدي الله تعالى أعظم العبادات وأجلُّ القربات؛ فالدعاء هو العبادة؛ حيث يتضمن أنواعاً كثيرة من العبادة كإسلام الوجه لله تعالى، والرغبة إليه، والاعتماد عليه والتذلل والافتقار [3].

يقول مطرف بن عبد الله بن الشخّير - رحمه الله -: (تذاكرتُ: ما جماع الخير؟ فإذا الخير كثير الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك، فإذا جماع الخير الدعاء) [4].

وقال سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله -: (ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار) [5].

ولما كان الله تعالى لا يخلق شراً محضاً، فإن المحن المتتابعة على أمة الإسلام في هذا العصر من أعظم أسباب اللجوء إلى الله تعالى، والابتهال إليه. وتحقيق التوحيد كما حرر ذلك ابن تيمية - رحمه الله - بقوله: (فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة والضر وما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين، ويرجونه لا يرجون أحداً سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره، فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة إليه، وحلاوة الإيمان وذوق طعمه والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف، أو الجدب، أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة؛ فإن ذلك لذَّات بدنية ونِعَم دنيوية قد يحصل للكافر منها أعظم مما يحصل للمؤمن.

وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدين فأعظم من أن يعبر عن كنهه مقال، أو يستحضر تفصيله بال، ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه، ولهذا قال بعض السلف: يا ابن آدم، لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك. وقال بعض الشيوخ: إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك)) [6].

إن الناظر إلى حالنا يرى غفلة عن الدعاء؛ فقد ندعو الله تعالى دون إلحاح أو افتقار، وربما دعونا الله تعالى مع ضعف ثقة ويقين بإجابة الدعاء، ولذا تغيب حلاوة المناجاة ولذة الابتهال إلى رب العالمين. وإن مما يحقق ذلك أمرين مهمين:

أحدهما: أن نستحضر أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فنتعبد الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ فهو جل جلاله البرّ الكريم، الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهمين العزيز الجبار المتكبر. كما نتعرّف على الله تعالى من خلال آلائه ونعمه، ((وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا)) (النحل: 18).

((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)) (النحل: 53).

والأمر الآخر: أن نستصحب في مناجاتنا فقرَنا وضعفَنا ومسكنَتَنا، وكثرةَ ذنوبنا، وظلمَنا وتفريطنا؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أرأيت إلى دعوات الأنبياء ومناجاتهم وما تحويه من هذين الأمرين المهمين؟ فهذا زكريا - عليه السلام - ينادي ربه قائلاً: ((قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِياًّ (((مريم: 4).

وها هو يونس - عليه السلام - ينادي ربه في بطن الحوت فيقول: ((لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (الأنبياء: 87).

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ماصنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) [7].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير