تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَكُلُّ مَنْ جَاءَ مِنَ الصَّحراءِ أخوكِ يا زهراء؟!

ـ[نياف]ــــــــ[04 - 09 - 06, 01:46 ص]ـ

أَكُلُّ مَنْ جَاءَ مِنَ الصَّحراءِ أخوكِ يا زهراء؟!

زكي التلمساني

9/ 8/1427

" أكلُّ مَنْ جاء من الصّحراء أخوك يا زهراء؟! " .. واحد من الأمثال المتداولة هنا بتلمسان، و قيل في سببه أنّ امرأةً لم يكن لها إلا أخٌ، تَغرَّب عنها إلى الصحراء، ثم انقطعت أخباره عنها، فاهتمّت لغيبته و اغتمّت، و أصابها من الحزن ما أصابها، و مع كل هذا لم تقطع حِبال آمالها بأوْبته، وكانت كلما سمعت بِمَقْدَمِ قادمٍ من الصحراء هبَّت إليه صارخة متلهفة مستنجدة: أخي، أخي! غير ناظرةٍ إلى وَصْفِهِ و فصله أو أصله، فكثر خطئها، حتّى قيل لها: أَكُلُّ مَن جاء مِن الصحراء أخوك يا زهراء؟!.

وحالُ بعضِ الأُمّة - رجاءَ أنْ لا يكون جُلُّهَا - حالِ زهراء.

أمَّتي اليوم كزهراء التي غاب أخوها في الصحراء، كلما سمعت بقائلٍ يقول: أنا الذي أصنع لكِ مجدا، أنا الذي أبني لكِ عزًّا، أنا الذي أعيدُ لكِ أيّامك الخوالي، تجري لاهثةً خلفهُ (1)، غير ناظرةٍ إلى صِدْقِ دعواه، غير آبهةٍ لنصائحِ عقلاء القومِ بالتريثِ و التبصُّرِ، فهي لا تعرفُ إِن كان يريدُ أن يُشَيِّدَ لنفسه عِزًا أو لها، و لعلّه قد يصدقُ لكنّه لا يعرفُ له طريقا و لا يهتدي إليه سبيلا ...

ويا زهراء! استبيني وصف أخيكِ، فليس كل من جاء من الصحراء أخوكِ يا زهراء.

ويا زهراء! أخوكِ عليه شامةٌ، معروفةٌ عنه بصحيح الآثار و السننِ.

ويا زهراء! اتّق الله، فأنتِ ذاتُ عزٍ وقدرٍ، و الطامعون بك كثير، فكُونِي على حذر.

ويا زهراء! ما نحنُ مُعاتِبوكِ إلاَّ خوفًا عليكِ، فما أدرانا إن كان القادمُ قائما على قَدَمِ صِدْقٍ أو على غيرها، و نعلمُ أنَّكِ ما أردتِ إلاَّ خَيرا، لكنْ كم مِن مُريدٍ للخير لا يبلغه؟

أمّتي ُ! إيّاك من اثنتين كانتا في زهراء: سذاجة و عجلة.

أمّتي! الوعدُ حقيقةٌ ليسَ بسرابٍ، نصرُ اللهِ و تمكينُه آتٍ لا مِرْيَةَ فِيهِ، و واقعٌ ما له من دافعٌ، فقد نطق به الصادقُ المصدوقُ صلواتُ ربِّي و سلامهُ عليه فيمَا صَحَّ عنهَ من حديث أبي بن كعب ــ رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ " (2)

وتأملي أمتي في قوله _عليه الصّلاة والسّلام_ " ... فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب"

فهناك من يعمل عمل الآخرة للدنيا، كثيرون يدعون إلى لله وهم في حقيقة الأمر يدعون لأنفسهم كما قال الإمام محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله_ فتأملي أمتي ولا تسيري وراء كل متحدث، يتكلم عن النصر والتمكين.

أمّتي! لن نَسكتَ عن توحيدٍ تُدْرَسُ مَعَالِمُهُ، حتّى ولو كنّا نَسِير لإحقاقِ ذروة سَنَامِ هذا الدِّين، و لن تأخذنا فيه لومة لائم، لأنّ لنا فيه سلفٌ و أَكْرِم به مِن سلفٍ!.

رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ يسيرُ بجيوشه لإعلاءِ كلمةِ اللهِ، فيَلمحُ سُدُسَ الجيشِ و قلبهُ معلَّقٌ بذاتِ أنواطٍ، فيشتدُّ و يعلو صوتُه ليقطعَ جَهيزةَ كُلَّ خطيبٍ أو صحفيٍ أو محلِّلٍ يريد رَدْمَ التَوحِيدِ حَتَّى و لو في دقائقِ فُصُولِهِ (3)، و ليُصَفِّيَ القلوب من كلِّ دَخَنٍ يُصيبها قبلَ أنْ يُكمِلَ المَسِيرَ:" الله أكبر! إنها السنن، لقد قلتم و الذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة" فهل سَكتَ رسولُ ربِّ العالمين لنسكتَ نحنُ؟!

فبِاللهِ عليهِم نحن سائلوهُم، منْ سَلفُهم فيما يزعُمُون من رَدْمِ التوحيد عندَ المُعْضِلاَتِ؟

أمْ أنَّ أصحاب الفُلْكِ (4) كانوا على تفقه و بصيرةٍ مِنهُم! فقد عَلِمُوا ما لم يعلمه القومُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير