أوقية.
ثم جاءت غزوة تبوك سنة تسع، وهي غزوة العشرة حيث كان الناس في عشرة وجدب، وهي الغزوة التي سماها باسمها قبل الخروج إليها، وهذه الغزوة هي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (الروم).
وفيها من عجائب النفاق، وكيفية الانزلاق عن مواطن الجد، والإباق من مواقف الشد، والاعتذار عن الجهاد بالأعذار، ما فيها من العجب العجاب وفيها من حرص الصحابة الأطهار على رضا نبيهم ونصرة دينهم ما يوصف من عظمته إلا بسرد حكايته، وهي طويلة، وإنما قصدنا أوجز الإيجاز، والإيناس بسيرة سيد الناس.
ثم فيها من معجزات رسول الله ما يقر العين وبثلج الصدور ويثبت القدم.
وانتهت الغزوة بظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مسير مرير، وطريق شاق وعسير، وجلاد وجهاد، وقلع أكباد وأوتاد، ورجع ظافراً بمصالحة أهل أيلة له، وكذلك مصالحة أهل " دومة الجندل " له على الجزية وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فاستقبلته الناس والنساء والجواري والصبيان، يغنو وغنت الجواري:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وهذا هو الصحيح، أن هذا النشيد كان فقول النبي صلى الله عليه وسلم من " تبوك " وليس مقدمة المدينة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لم يدخلها من " ثنية الوداع " والله أعلم.
وكانت غزوة تبوك آخر غزوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها نزلت سورة براءة أو (الفاضحة) أو (المبعثرة) التي كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم.
وفي سنة تسع أيضاً جاءت الوفود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن إسلام القبائل، وما مطمع طامع في حرب الله تعالى، وهذا نوره بلغ الأصقاع، وأضاء البقاع، وهذا بأس أخذه قلع الأوتاد، وخلع الجبابرة الشداد؟ وما البقاء على دين أعوج أعرج كان له نفع في الدنيا حين كانت الكعبة بيت الأصنام، فيها وصورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، أما وقد سقط الشرك، وحبط الإفك، ودخلت قريش الإسلام، وأسلمت هوازن ثم ثقيف، ولم يبق للعرب بؤرة جاهلية يرجعون إليها، فعرفى من لم يكن منهم قد عرف ألا طاقة لهم بحرب الله ورسوله، فجاءت الوفود تباعاً إليه صلوات الله عليه وقد تميم، وسيدهم عطارد بن حاجب التميمي، ووفد طيئ وسيدهم زيد الخيل، ووفد عبد القيس ومقدمهم الجارود العبدي، ووفد بني حنيفة، وكان فيهم مسيلمة الكذاب غير أن تخلف في رحالهم، فلما رجعوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وزعم أن يوحى إليه، وقتل اللعين في خلافة الصديق رضي الله عنه.
وسمي هذا العام مالم الوفود.
ثم في هذه السنة في ذي العقدة حج أبو بكر بالناس، أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم البدن وقلدها بيده، ووضعها مع أبي بكر.
ثم كانت حجة الوداع سنة عشر، وهي الحجة الوحيدة التي حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس مناسكهم ومعالمهم، وتبرأ من كل الجاهلية، ووضعها تحت قدميه، ورجع إلى المدينة فأرسل البعوث والرسل مخاطباً للملوك في الجزيرة وفارس والروم يدعوهم إلى الإسلام.
وكان آخر بعوثه صلوات الله عليه هو بعث أسامة، الذي جهزة قبل موتة صلوات الله عليه بأيام، فأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض " فلسطين " ولكن توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبعث البعث وبعثه أبوبكر الصديق، وكان هذا العمل أول أعماله المباركات، ودل ذلك على امتداد هدي محمد في أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
وفي ضحى الاثنين الثالث عشر من ربيع الأول إحدى عشرة للهجرة لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، واختار جواره، بعد أن استعد لهذا اللقاء الكريم أحسن عدة، وترك في الأمة كتاب الله وسنته نوراً وهدىً يهدي إلى سواء السبيل، وترك صحابته وآل بيته أوتاد الأرض، وحفظة الوحي، وعلماء الشريعة، فاضت روحه المطهرة إلى بارئها، واستمرت سيرته تعطر الدنيا وتنسير الآفاق.
وصلى الله عليه وآله وسلم كثيراً.
وكان تسطيره يا مجلسين اثنين:
الأول: من الساعة الثانية عشرة والنصف ليلة الخميس الثالث والعشرين من شعبان المكرم عام 1414 حتى الساعة التاسعة والنصف صباح الخميس.
والثاني: من الساعة الثانية ظهر الخميس حتى الساعة الخامسة وخمس وعشرين دقيقة مغرب شمس هذا اليوم الطيب من أيام الله تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
(ابن القاضي)
...................
في 22 من شعبان 1414 هـ / 3/ 4/ 1994 م
ـ[أمجد التركماني]ــــــــ[16 - 09 - 06, 10:29 م]ـ
لو كان مقالك متوفراً على ملف وورد أرجو منك ارفاقه لنا شيخنا الحبيب و بارك الله فيكم و في علمك , و أسأل الله العظيم أن يرينا في كلب الروم عجائب قدرته
ـ[ابن الحسيني]ــــــــ[16 - 09 - 06, 11:53 م]ـ
جزاك الله خيرا أخى الحبيب
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 01:20 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ونفعك في الدارين بما سطرت بنانك
¥