تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا، وسبيل الإخلاص في الطلب إنما يتأتى بنية التقرّب إلى الله تعالى بكلّ ما يستلزم محبّتَه ورضاه، من العلمِ به سبحانه وبصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه من العيوب والنقائص، وبمعرفة ما يجب على المكلّف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، ومعرفة حلاله من حرامه، ساعيًا في ذلك بعزمٍ في رفع الجهل عن نفسه، وحفظ شريعة الله تعالى بالتعلّم وضبط حفظه في الصدر وتقييده بالكتابة، والعمل بما حفظه وضبطه امتثالاً لأوامر الشرع والوقوف عند حدوده؛ لأنّ ثمرة العلم العمل، وبقاءُ العلم ببقاء العمل، بل هو من لوازم الإخلاص وسببُ نمائه وزيادتِه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ العَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ» (5 - أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»: (2/ 165، 167)، وابن أبي شيبة في «المصنف»: (7/ 182)، والشيباني في «الآحاد والمثاني»: (4/ 293 من حديث جندب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني)، ذلك لأنّ العمل هو شُكْرُ الله على نعمةِ العلم، وقد قال تعالى: ?لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ? [إبراهيم: 7]، ومن عمل بما عَلِمَ ورَّثه اللهُ عِلمَ ما لم يعلم، ومن لم يعمل بعلمه لم يكن صادقًا في طلبه وعُوقب بنسيان العلم وضياع معارِفِه وحرمانه من الخير، واستحقّ المقتَ والآفات، قال تعالى: ?فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ? [المائدة: 13]، ويتبيّن من الآية أنّ ترك العمل بالعلم يورِّثُ فشلاً في الطلب ومَحْقًا للبركة ونسيانًا ذِهنيًّا وعمليًّا بترك النهوض به والقيام بلوازمه، قال الثوري: «العِلْمُ يَهْتِفُ بِالعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ» (6 - الموافقات للشاطبي: (1/ 75))، من أجل ذلك كان الصدقُ خُلقًا مقترنًا بالإخلاص يتحلّى به الطالب قبل العلم ولا يتحقّق الارتقاء في مدارج الكمال والعلم إلاّ لصادق، قال الأوزاعي رحمه الله: «تَعَلَّمِ الصِّدْقَ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ العِلْمَ»، وقال وكيع رحمه الله: «هَذِهِ الصَّنْعَةُ لاَ يَرْتَفِعُ فِيهَا إِلاَّ صَادِقٌ» (7 - المجموعة العلمية لبكر: (182)).

هذا، وكما أنّ من الإخلاص أن ينوي رفعَ الجهلِ عن نفسه أن يستتبِعَه -أيضًا- بنيةِ رفعِ الجهل عن غيره، وذلك بالدعوة إلى الله تعالى بتبليغ العلم للناس وبيانِ ذكر الله وما نزل من الحقّ، ونشرِه ليحصل به النفع والهدى مصداقًا لقول الله تعالى: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي? [يوسف: 108]، وقوله تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ? [آل عمران: 187]، ويعمل على حماية جناب التوحيد، وصيانة كمال الدين مما قد يُقحم فيه ما ليس منه، والدفاع عن شريعة الله التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وحِفظها من زيادة المبتدعين، واستدراكات المستدركين.

فمن صاحبته هذه النية الخالصة الصادقة بالعمل الصالح كان على هُدًى وبصيرة، وخير ونعمة وتقى، قال تعالى: ?وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ? [محمّد: 17]، وفتح الله له أبواب الخير، وأتته الدنيا راغمة، وحصل له ثواب الآخرة، لسلامة قصده وصلاح نيّته، قال تعالى: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ? [النحل: 97]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» (8 - أخرجه الترمذي في «صفة القيامة»: (4/ 642) باب (30)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجه في «الزهد»: (2/ 1375) باب الهمّ بالدنيا من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/ 670)، رقم (949، 950) وقال إبراهيمُ النَّخَعِيُّ رحمه الله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير