تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

«مَنِ ابْتَغَى شَيْئًا مِنَ العِلْمِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ آتَاهُ اللهُ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ» (9 - سنن الدارمي: (1/ 82)).

أمّا مَن أُصيبت نيَّتُه في صميم صِدْقِ طَلَبِ العلم بِكَدَرٍ وَزَغَلٍ، وجعل تحصيلَه له مطيةً لأغراض وأعراض: مِن طلب الدنيا والمالِ والرئاسةِ والظهورِ والتفوّقِ والسمعةِ والرياء والمحمدة وغيرها من المقاصد السيّئة فإنّ إرادته تشوبها شوائبُ الفساد والبطلان، وتزول من جرائها بركة العلم وترتفع خيريته، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن تَعلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى، لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ» (10 - أخرجه أبو داود في «العلم» (4/ 71) باب طلب العلم لغير الله تعالى، وابن ماجه في «المقدمة»: (1/ 92) باب الانتفاع بالعلم والعمل به، وابن حبان: (1/ 279 (78) والحاكم: (1/ 160 (279)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث صحّحه الألباني في صحيح «الترغيب والترهيب»: (1/ 153) برقم: (105)) يعني: ريحها. وفي حديث آخر: «مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ» (11 - أخرجه الترمذي في «العلم» (5/ 32)، باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا، وابن أبي الدنيا في «كتاب الصمت»: (1/ 105 (141)) و «كتاب الغيبة والنميمة»: (1/ 15 (3)) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب»: (1/ 153) برقم: (106))، وقد ينال بعلمه ما يبتغيه بنيته الفاسدة في إحراز دنياه، ولا يحصل منها إلاّ ما كُتب له، لكنّ جزاءَه الفقرُ والتشتيتُ والغفلةُ والضياع في الدنيا، وكان عاقبة أمره خُسرًا، قال الله تعالى: ?مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ? [هود: 15]، فمن جرَّد قصده إلى الدنيا يعطه الله تعالى بعمله ثواب الدنيا إذا شاء سبحانه كما جاء تقييد الآية في قوله تعالى: ?مَّن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا? [الإسراء: 18]، وليس له أن يطلب بالعلم الشرعي أمرًا غير ما شرع له؛ لأنه عبادة، ومن ابتغى بالعبادة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وجزاء من ناقضها بطلان العمل، وقد يعامل بنقيض مقصوده، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قَدْ قُدِّرَ لَهُ» (12 - تقدم تخريجه)، قال الحسن بن أبي الحسن البصري -رحمه الله-: «مَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ هَذَا العِلْمِ فَأَرَادَ بِهِ مَا عِنْدَ اللهِ يُدْرِكْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا فَذَاكَ حَظُّهُ مِنْهُ» (13 - «سنن الدارمي»: (1/ 80))، ذلك لأنه استعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، واتخذها مطية لتحصيل غرضه، فكان ظلمًا لله في حقِّه على عباده، وتلاعبًا بالشريعة بوضع الأمور في غير مواضعها، فاستوجب أن يكون أوّلَ الناس يُقضى يوم القيامة: ثلاثة أجهدوا أنفسهم في الطاعات والعبادات ولم تنفعهم طاعتهم وعبادتهم وإنما صارت عذابًا، لأنهم لم يبتغوا بها وجه الله تعالى، فمن هؤلاء: «…وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ: قَارِئٌ، فَقَدِ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» (14 - أخرجه مسلم في الإمارة: (13/ 50) باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، والنسائي في «الجهاد»: (6/ 32) باب من قاتل ليقال فلان جريء، والحاكم: (1/ 107، 2/ 110)، والبيهقي: (9/ 168) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير