وقف هذا الإمام النابغة في زيارة له لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أمام الحجرة النبوية، فوجد أناساً يدعون و يستغيثون، فرآه شيخه محمد حياة السندي فسأله: " ما تقول في هؤلاء؟ "
قال الشيخ محمد: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
" وقد كان عند الناس في ذلك الوقت من أنواع الشرك ما كان:
بدعٌ منتشرة.
عبادة الأضرحة والقباب.
توسلٌ بالأموات.
كان قبر محجوب وقبة أبي طالب يأتون إلى الاستغاثة بها، ولو دخل سارق أو غاصب أو ظالم قبر أحدهما لم يتعرضوا له لما يرون من وجوب التعظيم والاحترام لهذا الضريح.
وكان عندهم رجل من الأولياء –بزعمهم- يسمى تاج، سلكوا فيه سبيل الطواغيت، وصرفوا إليه النذور، واعتقدوا فيه النفع والضر، وكان يأتي إليهم لتحصيل ما لديهم من النذور والخراج، وينسبون إليه حكايات عجيبة، منها: أنه أعمى، وأنه يخرج من بلدة الخرج بدون قائدٍ يقوده.
وشجرة تدعى الذئب، يأُمها النساء اللاتي يُردن المواليد الذكور، ويعلقن عليها الخرق البالية، لعل أولادهنّ يسلمون من الموت والحسد.
ومغارة في جبل يسمونها بنت الأمير، وأن بعض الفسقة أراد أن يظلم بنت الأمير، فصاحت و دعت الله فانفلق لها الغار، فأجارها من السوء؛ فكان العامة من هؤلاء الجهلة المشركين يسعون إلى ذلك الغار يقدمون اللحم وصنوف الهدايا.
وكان بعض النساء والرجال يأتون إلى ذكر النخل المعروف بالفحال في بلدة معينة، يفعلون عنده أقبح الفعال، وكانت المرأة إذا تأخر زواجها تضمُهُ بيدها، ترجوا أن تفرج كربتها، وتقول: يا فحل الفحول، أُريد زوج قبل الحول.
كانت شجرة أبي دجانة في العيينة، وقبة رجب، وقبة ضرار بن الأزور، وشجرة الطرفيين مثل ذات أنواط، وكانت هذه القباب والقبور تُعبد من دون الله.
وأفرادٌ من المتصوّفة على مذهب الملاحدة من الحلولية الذين يعتقدون أن الله حل في كل مكان، وأنه حل في المخلوقات، وأن كل ما ترى بعينك فهو الله، لا يميزون بين مخلوقٍ وخالق، كان لهم انتشار في بلاد نجد وغيرها.
وكانت الموالد التي فيها الشرك تُقرأ على الناس، وكانت الحُجب تكتب بالطلاسم وتعلق.
وكانت الكتب مثل دلائل الخيرات، وروض الرياحين التي فيها استغاثة وتوسّل بغير الله مشهورة لها قرآءة في الموالد بين الناس.
وخلت كثير من المساجد من المصلين، وانتشرت عبادة النجوم، واعتقاد تأثيرها في الحوادث الأرضية.
تبركٌ بالأشجارٍ والأحجارِ والجمادات، وأمرٌ عظيم قد ران الجزيرة في نجد وغيرها.
صور شركيات وأباطيل وضلالات التبس على الناس أمرهم فيها .. أنكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب واجتهد طويلاً لتطهير المجتمع منها .. وعادت صور منها للأسف إلى مجتمعنا اليوم .. فهل بعد هذا ننتظر نصر من الله؟
نعم ..
لقد عاش الوالد المعلم الشيخ محمد بن عبدالوهاب يدعو طوال حياته إلى توحيد الربوبية والألوهية، وحرص على الإنكار على كل بدعة ومظهر شركي ينقض هذا التوحيد، فما ترك مظهراً مناقضاً لرسالته لتوحيد الله إلاّ وأنكره.
فإن كان قبراً ضريحاً يُزار ويُتبرّك بقبته هدمها وساواها بالأرض.
وإن كانت شجرة يُتبارك بها .. قطعها.
وإن سمع أحداً يستغيث بميت ويدعوه .. قال له: أدع الله .. أدع الله يا رجل.
من إحدى رسائل هذا المعلم شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب)
قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟!
قال: (مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما قرّب، قال: ليس عندي شيء أقرّب، قالوا له: قرّب ولو ذباباً، فقرب ذباباً، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة) رواه أحمد.
هذا هو الأب .. فمن هي فاطمة ابنته؟
إنها فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان آل مشرّف ..
ولدت في بيت علم .. فكانت نعم التلميذة العالمة العاملة ..
¥