استدلوا بالسنة والآثار.
فمن السنة:
1 - عن أبي تميم الجيشاني يقول: سمعت عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح،الوتر الوتر)).
ألا وإنه أبو بصرة الغفاري. قال أبو تميم فكنت أنا وأبو ذر قاعدين. قال: فأخذ بيدي أبو ذر فانطلقنا إلى أبي بصرة فوجدناه عند الباب الذي يلي دار عمرو بن العاص: فقال أبو ذر: يا أبا بصرة، أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله عز وجل زادكم صلاة، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، الوتر الوتر). قال: نعم. قال: أنت سمعته؟. قال: نعم. قال: أنت سمعته؟ قال: نعم) [13]
هذا الحديث صريح في امتداد وقت الوتر إلى صلاة الفجر.
المناقشة
يمكن مناقشة هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((إلى صلاة الفجر)) محمول على مضاف محذوف، تقديره:إلى وقت صلاة الفجر، جمعا بين هذا الحديث وحديث خارجه بن حذافة رضي الله عنه أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الله تعالى قد أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر)) [14]
الثاني: أن هذا الحديث صريح في امتداد الوقت إلى صلاة الفجر، ولكن الوقت من طلوع الفجر إلى صلاة الفجر محمول على وقت الضرورة للوتر، لا وقت السعة والاختيار، جمعاً بين هذا الحديث وما في معناه وبين النصوص الأخرى الدالة على انتهائه بطلوع الفجر [15] [15].
الجواب عن هذه المناقشة
أجيب عن الوجه الأول من المناقشة، بأن حديث خارجة رضي الله عنه ضعيف، وعلى فرض صحته فإن الأصل إمضاء الحديث على ظاهره، ولا تعارض بين الحديثين، وإنما دل حديث أبي بصرة رضي الله عنه على زيادة في وقت الوتر، فوجب العمل به.
2 - عن أبي نهيك أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يخطب الناس أن لا وتر لمن أدرك الصبح، فانطلق رجال من المؤمنين إلى عائشة - رضي الله عنها - فأخبروها، فقالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر)). [16] فالنبي صلى الله عليه وسلم أوتر بعد ما أصبح، فدل على أن وقت الوتر لا ينتهي بطلوع الفجر.
المناقشة:
يناقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أن هذا الفعل معارض بقوله صلى الله عليه وسلم: " أوتروا قبل أن تصبحوا [17]
ويمكن الجمع بينهما بحمل القول على وقت الاختيار، وفعله على وقت الاضطرار، وأنه رضي الله عنه أخر الوتر لعذر.
ثانيا: على فرض عدم إمكان الجمع، فإن القول مقدم على الفعل عند التعارض؛ لأنه تشريع عام للأمة. [18]
الجواب على هذه المناقشة:
إن امتداد وقت الوتر إلى صلاة الفجر لم يثبت بفعله صلى الله عليه وسلم فقط، بل ثبت من قوله أيضا كما في حديث أبي بصرة رضي الله عنه [19]]
وبه يجاب عن الوجه الثاني من المناقشة.
و الأدلة من الآثار:
3 - عن عاصم بن ضمرة قال: جاء نفر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فسألوه عن الوتر؟ فقال: " لا وتر بعد الأذان " فأتوا علياً فأخبروه فقال: " لقد أغرق في النزع وأفرط في الفتيا، الوتر ما بيننا وبين صلاة الغداة ". [20]
4 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((الوتر ما بين الصلاتين)) [21]
5 - عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((أُوتر بعد طلوع الفجر)). [22]
6 - عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما ((رقد ثم استيقظ، ثم قال لخادمه: انظر ما صنع الناس، وقد كان يومئذ ذهب بصره، فذهب الخادم، ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من الصبح، فقام عبدالله بن عباس فأوتر ثم صلى الصبح [23]
7 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح، وأنا أوتر)) [24]
8 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((ربما أوترت وإن الإمام لصاف في صلاة الصبح)) [25]
وجه الدلالة: دلت هذه الآثار من أقوال الصحابة وأفعالهم على أن امتداد وقت الوتر إلى صلاة الفجر، أمر معلوم عندهم. [26]
أدلة القول الثالث:
¥