تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رسالة إلى جامعاتنا الإسلامية. أرجوا الدخول و المشاركة]

ـ[معاذ جمال]ــــــــ[27 - 10 - 06, 12:59 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله، و صحبه، و بعد:

كلنا يعلم الدور الكبير و الجبار الذي تلعبه جامعاتنا الإسلامية في تكوين طلبة علم متمرسين و متمكنين، يحملون المشعل –بعد نيل الدرجات العليا- و يواصلون السير مستنيرين بضوء العلم الشرعي الذي تلقوه من الكتاب و السنة، مرابطين على ثغور الإسلام ينفون عنه تحريف الغالين و تأويل الجاهلين و انتحال المبطلين، و يعلِّمون الناس أمر دينهم داعين إلى الله على بصيرة.

إلا انه مما لا شك فيه أن هذه الشهادات التي يحصِّلها هؤلاء الطلبة لا تعني بحال – في كثير من الأحيان – تفَوُّق هؤلاء الطلبة على غيرهم ممن لم يسلكوا طريق التعليم النظامي؛ لأسباب أو أخرى، و اقتصروا على الطريقة العتيقة و الأصيلة في التعليم – ثني الركب بين أيدي المشايخ في حلق الذكر- كما قال معاذ بن جبل رحمه حينما حضرته الوفاة ( ... اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك إني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الشجر ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر) بل إن الواقع يشهد بتفوق الكثير من الطلبة غير النظاميين على الطلبة النظاميين ممن يحملون شهادة الدكتوراه و غيرها – و ليس هذا تقليلا من شأن الشهادة-، و لكنه من باب (آتوا كل دي حق حقه)، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أمرنا رسول الله ? أن ننزل الناس منازلهم).

و قد ابتُليت مجتمعاتنا الحديثة بالولع بالشهادات الأكاديمية إلى درجة إقصاء الكثير من طلبة العلم و المشايخ المشهود لهم بالعلم، و الاقتصار على من حصل درجة دكتور و إن لم يكن له من العلم إلا النزر اليسير، و هذا الأمر و للأسف مشاهَد و لا يحتاج إلى التدليل عليه، و من شاء فلينظر إلى أغلب القنوات الفضائية على سبيل المثال فأين هم جِلة مشايخ أمتنا الإسلامية؟ قليلا ما نرى بعضهم، بينما يظل الباب مفتوحا على مصراعيه لمن هم دونهم!.

و من حسنات الشهادات الأكاديمية فتح الباب للعمل الدعوي بحرية أكبر، عكس طلبة العلم – غير النظاميين – الذين يواجهون صعوبات كثيرة، و مضايقات تحول بينهم و بين تبليغ رسالتهم – و هذا يتفاوت من بلد لآخر-، ولو كانوا من الحاصلين على الشهادات لكان عناؤهم أقل، و فرصهم أوفر.

و مما يؤسف له أنهم أحيانا يضايَقُون من طرف إخوانهم من طلبة العلم النظاميين، و قصة الشيخ الألباني مع ذاك الشيخ خِرِّيج الأزهر شهيرة، حيث احتج الأزهري على الشيخ رحمه الله بقوله: (على أي أساس تناقشي و ما هي مؤهلاتك، و ما الذي يسمح لك بمعارضتي .. ) فأجابه الشيخ رحمه الله بقوله صلى الله عليه و سلم (من رأى منكم منكرا فليغيره .. ) هذا مع أن هذا الرجل دون الشيخ رحمه الله بمفاوز. و الأحداث مثل هذه كثيرة جدا ....

وقد استوقفتني كلمات للدكتور أحمد شلبي في كتابه (كيف تكتب بحثا أو رسالة ص: 19 - 20) حيث يقول: (رأيت بجامعة كامبردج طالبا سمح له بالتحضير لدرجة الدكتوراه مع أنه لم يلتحق قبل ذلك بجامعة و لا يحمل مؤهلات قط، و لكنه أثبت صلاحية و امتيازا في امتحان تحريري و آخر شفوي عقدا له في الجامعة، و أجمع الممتحنون – و أستاذه منهم- على أن مستواه يسمح له بالدكتوارة).

و قد عجبت و الله من تقدير هؤلاء للمواهب و العقول، و توفيرهم جميع وسائل الدعم لكل المتفوقين دون استثناء، إذ الهدف الأسمى هو الاستفادة من هذه العقول و الكفاءات؛ فوجب التنقيب عليها و إخراجها من الظل لترى النور و تسبح في ساحة الإبداع، إذ الكل مقيد بعطائه و جهوده.

و الذي زاد من حيرتي أن هذه الواقعة جرت منذ عقود خلت، و هذا – و لا شك- من بين الأسباب التي تفسر تقدم هؤلاء.

و الآن من حق كل منا أن يوجه سؤالا لجامعاتنا – خصوصا الإسلامية منها- أما آن أن يعاد النظر في إمكانية فتح فرصة للطلبة المتفوقين لخوض غمار تجربة التحضير لدرجة الدكتوراه؟.

فلماذا لا نتأسى بهؤلاء، و نسمح لكل من له مؤهلات علمية كافية بالتقدم إلى اجتياز مباراة تحريرية و أخرى شفوية للوقوف على مستواه، و بعدها يسمح للمتفوقين بالتحضير لدرجة الدكتوراه.

و إن كان لا بد من التعرف على طريقة التعليم النظامي فلا بأس بعدها أن يقوم المتفوقون بإجراء تكوين لمدة معينة يتلقى خلالها الطالب أسس التعليم النظامي، أو بحسب ما يراه المشرفون مناسبا.

و الذي أراه انه صار من الضروري النظر في هذه الفكرة، خصوصا و قد أصبح شبه مستحيل على بعض طلبة العلم القيام بواجبهم الدعوي إلا بعد توفرهم على شهادات أكاديمية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

فإذا كان الهدف الأول و الأخير من خلال إنشاء هذه الجامعات هو تكوين طلبة علم متمكنين لخدمة الدين، فلا مناص -بعد ما عرفته الساحة- من إتاحة الفرصة لكفاءات عالية صارت ملجمة و مقيدة عن أداء دورها بشكل أمثل.

هكذا أرى أنه من الممكن أن يُخدم هؤلاء الطلبة حتى يتسنى لهم خدمة الدين على الوجه الأمثال، و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير