تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إحداهما: فرض، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة والانتهاء عن زواجره المحرمة والصبر على مقدوراته المؤلمة، فهذا القدر لابد منه في محبة الله، ومن لم تكن محبته على هذا الوجه فهو كاذب في دعوى محبة الله، كما قال بعض العارفين: من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب، فمن وقع في ارتكاب شيء من المحرمات أو أخل بشيء من فعل الواجبات فلتقصيره في محبة الله حيث قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله، فإن محبة الله لو كملت لمنعت من الوقوع فيما يكرهه. وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه لنقص محبته الواجبة في القلوب وتقديم هوى النفس على محبته وبذلك ينقص الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث.

والدرجة الثانية من المحبة - وهي فضل مستحب -: أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات، والرضا بالأقضية المؤلمات، كما قال عامر بن عبد قيس: أحببت الله حباً هون علي كل مصيبة ورضاني بكل بلية، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت، ولا على ما أمسيت. و قال عمر بن عبد العزيز أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر، ولما مات ولده الصالح قال: إن الله أحب قبضه، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة تخالف محبة الله. وقال بعض التابعين في مرضه: أحبه إلي أحبه إليه.

وأما محبة الرسول: فتنشأ عن معرفته ومعرفة كماله وأوصافه وعظم ما جاء به، وينشأ ذلك في معرفة مرسله وعظمته - كما سبق -، فإن محبة الله لا تتم إلا بطاعته، ولا سبيل إلى طاعته إلا بمتابعة رسوله، كما قال تعالى: ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)) ومحبة الرسول على درجتين - أيضاً: إحداهما: فرض، وهي ما اقتضى طاعته في امتثال ما أمر به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات والرضا بذلك، وأن لا يجد في نفسه حرجاً مما جاء به ويسلم له تسليماً، وأن لا يتلقى الهدى من غير مشكاته ولا يطلب شيئاً من الخير إلا مما جاء به.

الدرجة الثانية: فضل مندوب إليه، وهي: ما ارتقى بعد ذلك إلى اتباع سنته وآدابه وأخلاقه والاقتداء به في هديه وسمته وحسن معاشرته لأهله وإخوانه وفي التخلق بأخلاقه الظاهرة في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وفي جوده وإيثاره وصفحه وحلمه واحتماله وتواضعه، وفي أخلاقه الباطنة من كمال خشيته لله ومحبته له وشوقه إلى لقائه ورضاه بقضائه وتعلق قلبه به دائما وصدق الالتجاء إليه والتوكل والاعتماد عليه، وقطع تعلق القلب بالأسباب كلها ودوام لهج القلب واللسان بذكره والأنس به والتنعم بالخلوة بمناجاته ودعائه وتلاوة كتابه بالتدبر والتفكر.

وفي الجملة: فكان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، فأكمل الخلق من حقق متابعته وتصديقه قولاً وعملاً وحالاً وهم الصديقون من أمته الذين رأسهم: أبو بكر – خليفته بعده – وهم أعلى أهل الجنة درجة بعد النبيين كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم " قالوا ": يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء ما يبلغها غيرهم، قال: " إي والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ". خرجاه في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد.

الخصلة الثانية: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله. والحب في الله من أصول الإيمان وأعلى درجاته. وفي " المسند " عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الإيمان، فقال: أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله ". وفيه - أيضا – عن عمرو بن الجموح، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله، فإذا أحب لله، وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله " وفيه: عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أوثق عرى الإيمان: أن تحب في الله وتبغض في الله وخرج الإمام أحمد، وأبو داود عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الأعمال: الحب في الله والبغض في الله". ومن حديث أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير