تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استكمل الإيمان ". وخرجه أحمد، والترمذي من حديث معاذ بن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد أحمد في رواية " وأنكح لله ".

وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها، لأن من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فقد صار حبه كله له، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله وموالاته له ومعاداته له، وأن لا تبقى له بقية من نفسه وهواه، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وكذلك من الأشخاص، ويلزم من ذلك معاملتهم بمقتضى الحب والبغض، فمن أحبه الله أكرمه وعامله بالعدل والفضل، ومن أبغضه لله أهانه بالعدل، ولهذا وصف الله المحبين له بأنهم ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ)). وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يبلغني إلى حبك " فلا تتم محبة الله ورسوله إلا بمحبة أوليائه وموالاتهم وبغض أعدائه ومعاداتهم. وسئل بعض العارفين: بما تنال المحبة؟ قال: بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، وأصله الموافقة.

الخصلة الثالثة: أن يكره الرجوع إلى الكفر كما يكره الرجوع إلى النار. فإن علامة محبة الله ورسوله: محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه الله ورسوله – كما سبق – فإذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به ووجد حلاوته وطعمه أحبه وأحب ثباته ودوامه والزيادة منه وكره مفارقته وكان كراهته لمفارقته أعظم عنده من كراهة الإلقاء في النار، قال الله تعالى ((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)). والمؤمن يحب الإيمان أشد من حب الماء البارد في شدة الحر للظمآن، ويكره الخروج منه أشد من كراهة التحريق بالنيران، كما في " المسند " عن أبي رزين العقيلي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق في النار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله فإذا كنت كذلك فقد دخل حب الإيمان في قلبك كما دخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ

وفي " المسند " – أيضا – أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى معاذ بن جبل فقال له فيما وصاه به: " لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت ".

وفي " سنن ابن ماجة " أن النبي صلى الله عليه وسلم وصي أبا الدرداء وغيره – أيضا. وقد أخبر الله عن أصحاب الأخدود بما أخبر به وقد كانوا فتنوا المؤمنين والمؤمنات وحرقوهم بالنار ليرتدوا عن الإيمان، فاختاروا الإيمان على النار. وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن امرأة منهم أتى به ومعها صبي لها يرضع فكأنها تقاعست أن تلقي نفسها في النار من أجل الصبي فقال لها الصبي: يا أمه! اصبري فإنك على الحق ". وألقي أبو مسلم الخولاني في النار على امتناعه أن يشهد للأسود بالنبوة فصارت عليه بردا وسلاما. وعرض على عبد الله بن حذافة أن يتنصر فأمر ملك الروم بإلقائه في قدر عظيمة مملوءة ماء تغلي عليه فبكى وقال: لم أبك جزعا من الموت، لكن أبكي أنه ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله، لوددت أنه كان لي مكان كل شعرة مني نفسا يفعل بها ذلك في الله عز وجل. هذا مع أن التقية في ذلك باللسان جائزة مع طمأنينة القلب بالإيمان كما قال تعالى ((إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)). ولكن الأفضل الصبر وعدم التقية في ذلك. فإذا وجد القلب حلاوة الإيمان أحس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان ولهذا قال يوسف عليه السلام: ((رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)). سئل ذو النون: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمر عندك من الصبر. وقال بشر بن السري: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يبغضه حبيبك. واعلم أن القدر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو أن ينفر من ذلك ويتباعد منه جهده ويعزم على أن لا يلابس شيئا من جهده لعلمه بسخط الله له وغضبه على أهله. فأما ميل الطبع إلى ما يميل من ذلك – خصوصا لمن اعتاده ثم تاب منه – فلا يؤاخذ به إذا لم يقدر على إزالته، ولهذا مدح الله من نهى النفس عن الهوى، وذلك يدل على أن الهوى يميل إلى ما هو ممنوع منه وأن من عصى هواه كان محمودا عند الله عز وجل.

وسئل عمر عن قوم يشتهون المعاصي ولا يعملون بها، قال: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)). وقد ترتاض النفس بعد ذلك وتألف التقوى حتى تتبدل طبيعتها وتكره ما كانت مائلة إليه وتصير التقوى لها طبيعة ثابتة.

ملاحظة: الكلام عن محبة الله ورسوله من كلام ابن رجب الحنبلي من كتاب فتح الباري بتصرف

.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير