تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بين الشيخين ابن باز والقرضاوي]

ـ[ابو انس المكي]ــــــــ[04 - 11 - 06, 07:13 ص]ـ

" بين الشيخين: القرضاوي وابن باز"

سارة الراجحي 9/ 10/1427

31/ 10/2006

الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأمور فطرة في البشر، و سنة من سنن الله في الكون؛ إذ يستحيل أن يكتمل نسيج الحياة أو ينبثق لها نبع بوساطة نسخ مكررة أو ذات نمطية واحدة .. و لكي يتحدد مسار هذا المقال منذ بدء المصافحة الذهنية مع القارئ فالمعني به هو فقه الاختلاف في المسائل الاجتهادية - وهي التي تتجاذبها الأدلة ولها حظ معتبر من النظر، و التي ينبغي ألاّ ينكر على أصحابها - وليس المعني الاختلاف من حيث أسبابه ومرجعيته أو تاريخه ومحاوره ..

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً يُحتذى به في احتواء الخلاف وحسن إدارته، كي يغدو اختلاف تكامل لا اختلاف تضاد .. و قد حمل صحابته وتابعوه والأئمة الأعلام هذا المشعل .. وكثيراً ما أتأمل حالهم حينما وقعت بينهم الاختلافات في المسائل الاجتهادية، وأجد الإكبار والإجلال لهم يتنامى في صدري .. فما ضرت أولئك الفقهاء اختلافاتهم، بل زادتهم إكباراً و رفعة عند بعضهم البعض .. والأمثلة كثيرة يعجز المقام عن حصرها، تبين ما قد حملوه من أدب جم وخلق رفيع، و اختلاف راقٍ، يمنع السخائم من الاستيطان في صدورهم، و البغضاء من تعاورهم ..

لكنني آثرت أن أسوق موقفاً معاصراً بين عالمين جليلين، وجدته في مذكرات الشيخ يوسف القرضاوي .. حيث قال:

" ومما أذكره أني تلقيت رسالة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، خلاصتها: أن وزارة الإعلام طلبت رأيه في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام"؛ لأن بعض الناشرين طلبوا من الوزارة أن "تفسح" له، وكلمة "الفسح" غدت مصطلحاً معروفاً في المملكة يُقصد به الإذن بنشر الكتاب ودخوله في السعودية.

فلا غرو أن ذكر الشيخ ابن باز بأدب العالم الكبير، ورفق الداعية البصير أنه يريد أن يفسح للكتاب لما فيه من نفع للمسلمين لسلاسته وجمال أسلوبه، وأخذه بمنهج التيسير، ولكن المشايخ في المملكة خالفوه في ثماني مسائل. وسرد الشيخ -رحمه الله- هذه المسائل الثماني، ومنها: ما يتعلق بزي المرأة وعملها، وما يتعلق بالغناء والسماع، وما يتعلق بالتصوير، وما يتعلق بالتدخين وأني لم أحسم الرأي فيه بالتحريم، وما يتعلق بمودة غير المسلم ... الخ.

وقال الشيخ رحمه الله: وإن كتبك لها وزنها وثقلها في العالم الإسلامي، وقبولها العام عند الناس، ولذا نتمنى لو تراجع هذه المسائل لتحظى بالقبول الإجماعي عند المسلمين.

هذا وقد رددت تحية الشيخ بأحسن منها، وكتبت له رسالة رقيقة، تحمل كل مودة وتقدير للشيخ، وقلت له: لو كان من حق الإنسان أن يدين الله بغير ما أداه إليه اجتهاده، ويتنازل عنه لخاطر من يحب، لكان سماحتكم أول من أتنازل له عن رأيي؛ لما أكن لكم من حب وإعزاز واحترام، ولكن جرت سنة الله في الناس أن يختلفوا، وأوسع الله لنا أن نختلف في فروع الدين، ما دام اختلافاً في إطار الأصول الشرعية، والقواعد المرعية، وقد اختلف الصحابة والتابعون والأئمة الكبار؛ فما ضرهم ذلك شيئاً؛ اختلفت آراؤهم، ولم تختلف قلوبهم، وصلّى بعضهم وراء بعض.

والمسائل التي ذكرتموها سماحتكم، منها ما كان الخلاف فيها قديماً، وسيظل الناس يختلفون فيها، ومحاولة رفع الخلاف في هذه القضايا غير ممكن، وقد بين العلماء أسباب الاختلاف وألفوا فيها كتباً، لعل من أشهرها كتاب شيخ الإسلام "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".

ومن هذه المسائل ما لم يفهم موقفي فيها جيداً، مثل موضوع التدخين؛ فأنا من المشددين فيه، وقد رجحت تحريمه في الكتاب بوضوح، إنما وهم من وهم في ذلك؛ لأني قلت في حكم زراعته: حكم الزراعة مبني على حكم التدخين؛ فمن حرم تناوله حرم زراعته، ومن كره تناوله كره زراعته، وهذا ليس تراجعاً عن التحريم.

وأما مودة الكافر فأنا لا أبيح موادة كل كافر؛ فالكافر المحارب والمعادي للمسلمين لا مودة له، وفيه جاء قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المجادلة: من الآية 22]. ومحادة الله ورسوله ليست مجرد الكفر، ولكنها المشاقة والمعاداة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير