تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذهبتُ مع عدد من الزملاء منذ سنوات لزيارة إحدى الجامعات الأمريكية المشهورة، وهناك تحدث أستاذ بارز في علم الرياضيات عن تلميذه الذي كان يرجو أن يتم تعيينه مدرساً في الجامعة بعد الحصول على درجة الدكتوراه. وقال الأستاذ بأني رشحته للتدريس، ولكني اشترطتُ عليه أن يتخلى عن إتمام رسالة الدكتوراه التي أوشك على الانتهاء منها، وأن يكف عن السعي في الحصول على درجتها، لأنه كان حينئذٍ – وهو في مرحلة الطلب – ينشر أبحاثاً جيدة محكمة في المجلات العلمية، وكان هذا في نظر الأستاذ أهم مؤهل علمي يجب أن يتوافر في المدرس الجامعي.

عدد من الأساتذة الأعلام يسخرون من حال الدكتوراه:

حضرتُ مجلساً علمياً ضم طائفة من علماء اللغة العربية وأساتذتها المشهورين الذين تتلمذت لهم أجيال من حملة الدكتوراه في البلاد العربية، وقد أتوا على ذكر رسائل الدكتوراه في الجامعات العربية، فأنكروا ما صار إليه أمرها من شكلية وابتسار، وسخروا مما آل إليه حالها من ضعفٍ وهزال.

وأعرف جامعياً زهد في الدكتوراه حين رأى ما أصيب به عدد من رسائلها الأدبية من ترهل في الأبواب والفصول، ونحول في جدلية الطرح ومنطقية الفكر، وما آل إليه لقب الدكتور في بيئات عربية متفرة اتخذته حِليةً اجتماعية وزخرفاً ثقافياً. وقد آثر أن يتخلى عن لقب دالي أعجمي علق باسمه طيلة ثلاثين عاماً، وحرمه من أن يأنس بذلك الود الحميم الذي يشعر به حين يناديه مناد باسمه الذي سماه به والداه.

علماء الدراسات الإسلامية والدكتوراه:

لقد أفاض الكاتب في الحديث عن الدكتوراه ليبين أن الدراسات الإسلامية – التي هي عنوان شخصية المسلم ورمز هويته – في غنى عن لقب كنسي لا هوتي طارئ لم يجد في دياره الأصلية من الحظوة ما وجده في بلاد المسلمين من افتتان به وتعلق بأذياله. ولا يريد المرء أن يحرم الباحثين الإسلاميين من تقدير علمي ومادي يماثل ما اكتسبه الباحثون الاخرون، ولكنه يرى أن في الألقاب العلمية الإسلامية العربية ما يوجد الألفة الحميمة بين الباحث المسلم وبين أبناء ملته، ويبعده عن مظنة التشبه وريبة التقليد.

وإذا كان لا بد للباحثين في الدراسات الإسلامية من سمة تميز طبيعة عملهم الجامعي فإن اللغة العربية لن تضيق بمقاصدهم، ولن تغمطهم حقهم، فأبواب الاجتهاد فيها مشرعة، وسبل الاستنباط فيها ممهدة. فإذا رأى بعض الجامعيين أن صفة (الشيخ) التي يؤثرها الناس – لا تكفي لتبيان درجاتهم العلمية، فإن من الممكن أن يقولوا مثلاً العالم الشيخ، أو الأستاذ الشيخ، أو الأستاذ الجامعي الشيخ، والأستاذ المساعد الشيخ، أو ما شاؤوا من صفات علمية عربية إسلامية.

وبعدُ فإن إيجاد لقب علمي بديل يلائم وقار الباحث الجامعي الإسلامي ليس مشكلة علمية جوهرية، فقد بلغ الأشياخ الدكاترة منزلة علمية معينة، ولكن بإمكانهم أن يصلوا إلى مقام يماثل تلك المنزلة أو يعلو عليها بدون دكتوراه، وذلك بما وهبهم الله من قدرات ذهنية، ومواهب فكرية، وطاقة فاعلة، وعمل دائب صبور. فليس العلماءُ الدكاترة بأغزر علماً وأحكم منهجاً من إخوانهم العلماء الأشياخ، ومن ينظر في قائمة من فازوا بجائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والعلوم الإسلامية مثلاً يجد أن العلماء الباحثين الذين لم يحملوا الدكتوراه كانوا من أبرز أولئك الأعلام.

وتشهد الأمثلة الحية المشرقة في ديار الإسلام بأن منهج الدكتوراه الفرعي الجزئي المحدود لا يرقى إلى مستوى المنهج الإسلامي في ميدان الدراسات الإسلامية من حيث شمول المعرفة وغزارة العلم وسلوك طريق الاجتهاد. ودليل هذا هم أولئك الشيوخ الأعلام من شيوخ العلماء الذين يلجأ الناس اليوم إليهم في مسائل الفتيا وقضايا الاجتهاد، والذين لم تعلق بأسمائهم الإسلامية وصفاتهم العلمية ألقاب القساوسة والكهان.

انتهى المقال.

علق عليه: د. عبدالرحمن بن معاضة الشهري

**********************************

انتهى هذا المقال الذي حفظته في جيبي أكثر من خمسة عشر عاماً لأضعه بين أيديكم الآن مرة أخرى، وقد أثار الكاتب الكريم في طياته قضايا في غاية الأهمية، أرجو أن يتناولها نقاشكم العلمي الهادئ، الذي يخرج بعده القارئ بوجهة نظر علمية متزنة حول هذه القضية التي تتعلق بالحضارة الإسلامية وخصوصيتها وتميزها، مع مراعاة واقع الحياة العلمية الآن، ومسائل الغزو الفكري الغربي، ومراعاة التدرج في إصلاح مثل هذه القضايا الأكاديمية، وكم أتوق لرؤية جامعاتنا الإسلامية وأقسامها العلمية وقد عادت لتحتفي بالألقاب الإسلامية النابعة من صميم تراثنا العلمي الإسلامي، وقد زالت عنها وعن درجاتها العلمية عقدةُ الحفاوة بالألقاب الغربية، والله الموفق سبحانه وتعالى

قلت:

و أنا أود أن أقرأ وجهات نظر الإخوة في هذا الملتقى

**************************

******************

********

...

*

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير