قال أبو ثعلبة: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((بل ائتمروا بينكم بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شَّحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثَرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوامَّ، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن كالقبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) [رواه الترمذي وقال: حسن غريب وضعفه الألباني].
من أقوال السلف في ذم العجب
1 - قال ابن مسعود رضي الله عنه: الهلاك في اثنين: القنوط والعجب.
قال أبو حامد: وإنما جمع بينهما؛ لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى.
2 - وقال مطرف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً.
3 - وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءُوا ذُكِرَ الله تعالى والدار الآخرة، لمواظبته على العبادة، فأطال الصلاة يوماً، ورجل خلفه ينتظر، ففطن له بشر، فلما انصرف عن الصلاة قال له: لا يعجبنك ما رأيت مني، فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله مع الملائكة مدة طويلة، ثم صار إلى ما صار إليه.
4 - وقيل لعائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئاً؟ قالت: إذا ظن أنه محسن.
5 - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الإعجاب ضدّ الصواب، وآفة الألباب.
6 - وقال بزدجمهر: النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه منه: العجب.
بين العُجب والكفر
وربما طغت آفة العجب على المرء حتى وصل به الحدّ إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام، كما هو الحال مع إبليس اللعين، حيث أعجب بأصله وعبادته، ودفعه ذلك إلى الكبر وعصيان أمر الرب تعالى بالسجود لآدم عليه السلام.
وحكى عمر بن حفص قال: قيل للحجاج: كيف وجدت منزلك بالعراق؟ قال: خير منزل، لو كان الله بلغني قتل أربعة، فتقربت إليه بدمائهم. قيل: ومن هم؟ قال: مقاتل بن مسمع وليّ سجستان، فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فما عُزل دخل مسجد البصرة، فبسط له الناس أرديتهم، فمشى عليها، وقال لرجل يماشيه {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [61: سورة الصافات].
وعبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي، خوّف أهل البصرة أمراً فخطب خطبة أوجز فيها، فنادى الناس من المسجد: أكثر الله فينا مثلك. فقال: لقد كلفتم الله شططاً!!
ومعبد بن زرارة؛ كان ذات يوم جالساً في الطريق، فمرت به امرأة فقالت له: يا عبد الله! كيف الطريق إلى موضع كذا؟ فقال: ياهناه! مثلي يكون من عبيد الله؟!!
وأبو سمّال الأسدي أضل الله راحلته فالتمسها الناس فلم يجدوها فقال: والله إن لم يَرُد إليًّ راحلتي لا صليت له صلاة أبداً، فالتمسها الناس فوجدوها، فقالوا له: قد ردًّ الله عليك راحلتك فصلِّ، فقال: إن يميني يمين مُصِرِّ!!
قال الماوردي: فانظر إلى هؤلاء كيف أفضى بهم العجب إلى حمق صاروا به نكالاً في الأولين، ومثلاً في الآخرين، ولو تصور المعجب والمتكبر ما فطر عليه من جِبِلّة، وبُلي به من مهنة لخفض جناحه لنفسه، واستبدل ليناً من عُتوه، وسكوناً من نفوره، وقال الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟!
يا مظهرَ الكبر عجاباً بصورته ... انظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأٍس مكرُمةً ... وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرفضة الثغر ملعوب
يابن التراب ومأكول التراب غداً ... أقصر فإنك مأكول ومشروب
علاقة العجب بالكبر والإدلال
قال ابن قدامة: اعلم أن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة وهذا مع الخلق.
فأما مع الخالق فإن العجب بالطاعات نتيجة استعظامها فكأنه يمنّ على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمى عن آفاتها المفسدة لها، وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها، دون من رضيها وأعجب بها.
¥