تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانوا يعضلون النساء ويمنعوهن من الزواج لأغراض خسيسة فنهاهم الله عن ذلك في مواضع من كتابه وإنما ذكرنا بعض أخلاقهم قبل الإسلام ليعلم من لا يعلم فضل الإسلام الصحيح عليهم وعلى كل من دان به من غيرهم، وأما حالهم بعد الإسلام فهي أوضح وأظهر من شمس يوم الصحو، فما الذي غيّر حالهم من التشتت إلى الاجتماع، ومن التخاذل إلى التعاون، ومن الجهل إلى الحلم، ومن الذل إلى العز، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضعة إلى الرفعة إلى السيادة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الفوضى إلى النظام, ومن تلك البقعة القاحلة الجرداء إلى الأراضي المخصبة والجنات المثمرة، والأنهار المطردة والأزهار الجملية، ومن البيوت الحقيرة إلى القصور الشامخة في آسية وأوروبة وافريقية؟ وكيف صارت الدول العظام التي كانت قبل إسلامهم هي الصالحة للبقاء لا تصلح إلا للفناء.

الجواب أن علماء التاريخ وعلماء العمران وعلماء تطور الأمم اتفقوا على أمر وهوان العرب بعد الإسلام صاروا أقوياء أغنياء سعداء متمدنين ذوي دولة ونظام، ثم اختلفوا، فالعقلاء المؤمنون بالله قالوا إن السبب المباشر في ارتفاعهم من حضيض الهمجية إلى سماء المدنية الفضلى هو الدين. وأما الذين لا يؤمنون بالله وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون فقد اعتقدوا أن القرآن ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم نفخا فيهم روح الحياة وهذه الروح جعلتهم يتعلمون المدنية والعلوم من الأمم المغلوبة التي اندثرت مدنيتها وقد نسي هؤلاء أو تناسوا القاعدة العظيمة وهي: "إن فاقد الشيء لا يعطيه".

لأن تلك الأمم وهي الفرس والبيزنطيون والروم لو كانت مدينتهم صالحة للبقاء والنمو والحياة ما تغلب عليهم قوم متوحشون جهال - بزعمكم - خارجون من الصحراء ليس لهم علم ولا أخلاق، ولا معرفة بالعمران ولا بالنظام وعلوم المغلوبين وأخلاقهم لو بقيت فيها حياة وصلاح ما غلبوا ولنفعت أهلها فكيف لا تنفع أهلها وهم أعلم الناس بها وتنفع أعداءهم؟ وهذا هو الحال عينه.

فهل سمعت بطبيب يصيبه مرض يعرف دواءه فيستعمل ذلك الدواء فلا ينفعه فيموت من علته ويموت كل قومه ثم يأتي أعداؤهم فيقرؤون كتاب ذلك الطبيب ويأخذون منه الدواء فيستعملونه فيصحون عليه وهكذا يقال في الصيدلي يركب دواء فلا ينفع ذلك الدواء أحدا، ثم يأتي عدوه فيقرأ كتابه ويتعلم منه تركيب الأدوية فيدرك ما لم يدركه الصيدلي الذي اخترع الدواء وجربه مرارا وهكذا يقال في الفلاح والصانع نعم لو قيل أن المسلمين انتصروا على أهل الأرض بالأخلاق القرآنية ثم خدمتهم جنود السماوات والأرض كما وعدهم الله بذلك فتعلموا من الصناعات والحضارات ما زادهم قوة ونظاما لكان ذلك قريبا. أما أن الغالب يأخذ القوة من المغلوب، والحي يكتسب الحياة من الميت، والقوي يقتبس القوة من الضعيف فذلك مالا يكون أبدا.

ومثال آخر في البلدان التي يغلب على أهلها الجهل بالكتاب والسنة ويكون للدجالين فيها سلطان عظيم فترى أحدهم يبيع قصور الجنة بأثمان بخسة ويهب الأولاد للمصابين بالعقم من الرجال والنساء ويعطي الغنى وطول العمر والنجاح في الامتحان والترقي في مناصب الدولة وقدوم الغائب بسلامة وشفاء الأمراض .. كل ذلك بدريهمات قليلة فيصدقه الأغبياء، ومرة جاء أحد الدجاجلة وقال: من يشترى قصرا في الجنة بمائة ريال فقام رجل من العقلاء وقال هذا ألف ريال أعطني به بيتا في هذه القرية وحين تسلمه لي أسلم لك ألف ريال، وأنا أعلم أنك لا تقدر على ذلك وإذا كنت عاجزا أن تملك بيتا ولو حقيرا في هذه القرية فكيف تملك قصرا في الجنة يا قليل الحياء؟. فسقط في يده وضحك عليه الناس.

ومرة جاء دجال آخر وقال لرجل أبسط ثوبك فأخذ يأخذ بيديه كلتيهما حفنة من الهواء ويضع في ثوبه ويقول هذا الرزق ثم يأخذ حفنة أخرى ثم يقول هؤلاء الأولاد الصالحون ثم يأخذ حفنة أخرى ويقول هذا العمر الطويل ثم يأخذ حفنة أخرى ويقول هذا الحج إلى النبي المصطفى (والجهال في المغرب يظنون أن الحج في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم) ثم يأخذ حفنة أخرى ويقول هذا العز والجاه ثم يأخذ حفنة أخرى ويقول هذه قصور الجنة وهكذا لم يترك شيئا من الخير إلا وضعه في ثوبه بالكلام المجرد ثم قال أعطني شيئا فجمع الرجل يده وغرف غرفة وأعطاه إياها فقال خذ هذا مما أعطيتني ..

وهذا القرآن وهذه الدعوة المحمدية ليسا من الأشياء التي كانت فبانت كما يتوهمه الجاهلون وليسا من الفصائل الحيوانية والنباتية التي انقرضت وحلّت محلّها فصائل أخرى ولن تعود إلى الوجود أبدا كما يريد أن يوهمنا الاستعمار بل هما قوة باقية خالدة لا تزول ولا تحول، ولك أن تطلب الدليل البارز الشاهد وعلى أن أدلي به فأقول: كيف نشأت الدولة العثمانية؟ ومن أين استمدت قوتها .. من (هولاكو وتيمورلنك وجنكيز خان)؟.

لا والله فإن هؤلاء كانوا غزاة متوحشين والتاريخ أصدق شاهد، وإنما استمدت قوتها ووجودها وصارت إمبراطورية عظيمة استولت على آسيا وقسم كبير من أوروبة وإفريقية من الإسلام، ودونك شاهدا غير بعيد ولا منقرض بل هو قائم حاضر وهو المملكة السعودية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير