تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد هذا التمهيد والبحث المفيد نخرج بالنتيجة التالية وهي: إن الركن الأول من ثقافة العرب الذين نحن جزء منهم وثقافة المسلمين الذين يؤلفون الأمة التي ننتمي إليها هو تعليم الدين تعليما علميا عقديا أخلاقيا جديا من روضة الأطفال إلى آخرسنة في الجامعة.

وكل ثقافة تخل بهذا الركن الأساسي أو تقرره تقريرا لفظيا فارغا من معناه ومن العقيدة والعمل والخلق والمعلمين الأكفاء فنتيجتها صفر على اليسار.

ومن زعم أن الدول الأوروبية السعيدة القوية التي مضت على سعادتها وقوتها وتعاونها وثباتها ونجاحها في جهادها في حربها وسلمها مئات السنين قد هجرت الدين وكان ذلك سبب نجاحها فهو لا يخلو من أن يكون جاهلا مقلدا إمعة قد استهواه الاستعمار الروحي وأفسد فطرته وتفكيره أو عالما بالحقيقة لكنه منافق مخادع يظهر خلاف ما يعتقد جبنا وخوفا من فوات رغبة شخصية أو طمعا في رغبة جديدة تصل إليها نفسه الأمارة. على أن دينهم ليس فيه من الحياة والقوة والمطابقة للعقل والكفالة بسعادة الروح والبدن مثل ما في ديننا.

لغة القرآن

وإذا تقرر أن الركن الأساسي من أركان الثقافة التي نحتاج إليها هو معرفة الدين الصحيح والعمل به والتقيد بأحكامه والدعوة إليه فمفتاح هذه الثقافة هي لغة القرآن والسنة، فبدونها لا يمكن أن نعرف هذا الكنز العظيم الذي فرض مقدس على جميع الشعوب العربية والإسلامية وعلى قدر أدائه والتقدم فيه يكون تقدمها.

ومن سوء الحظ أن هذه اللغة الكريمة قلّ ناصرها وكثر خاذلها ولم تزل في إدبار منذ مئات السنين ثم جاءها الاستعمار اللغوي فكان ضغثا على إبالة فاختلط الحابل بالنابل فبعد ضياع الإعراب والصرف تسرب الوهن إلى قواعدها وتغيرت مفرداتها وأسلوبها وذهب جمالها وبلاغتها وكثر الخطأ فيها حتى عسر على المصلحين عدّه فكيف بتلافيه وإصلاحه وصارت غربة علمائها كغربة علماء الإسلام، كل من قبض منهم لم يوجد له خلف فنحن اليوم نعيش على المعاجم التي ألفت في القرن الثامن الهجري وما قبله سواء أكانت معاجم لغة أو معاجم أدباء أو النحو والصرف وغيرها من علوم الأدب، أما الكلمات التي حدثت في القرون المتأخرة وهي كثيرة والكتاب والخطباء في حاجة إليها لأن معانيها لازمة للناس في معايشهم وتفكيرهم وحديثهم فقد بقيت مهملة فاضطر الناس إلى التعبير بالكلمات الأعجمية، وأما ضعف الأسلوب فسببه إعراض المسلمين عن تراثهم واشتغالهم بلغات الأعاجم، ومن العجب أن نرى أمة تعد بمائة مليون ليس لها دائرة معارف تجمع شمل علومها وآدابها إلا تأليفين لرجلين هما محمد فريد وجدي وبطرس البستاني وهذا الثاني لم يتم ولو أن المتكلمين باللغة العربية قاموا بواجبها لبلغت دائرة معارفهم على أقل تقدير مائة مجلد لأن دائرة المعارف الإسبانية ستون مجلدا والفرق بين اللغتين في كثير من العلوم والآداب كما بين السماء والأرض فعسى الله أن يوفق المسلمين إلى إحياء تراث أسلافهم وغسل هذا العار عنهم بإحياء الثقافة الإسلامية حتى يقال ما أشبه الليلة بالبارحة، والغادية بالرائحة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير