تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الدقاق: (من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة).

وقال الحسن: (إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا عشياً لا موت فيه).

أذكر الموت ولا أرهبه ... إن قلبي لغليط كالحجر

أطلب الدنيا كأني خالد ... وورائي الموت يقفو بالأثر

وكفى بالموت فاعلم واعظاً ... لمن الموت عليه قدر

والمنايا حوله ترصده ... ليس ينجي المرء منهن المفر

موعظة

فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.

فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا .. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.

ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.

ونحو هذا قال الشاعر:

هي القناعة لا تبغ بها بدلاً ... فيها النعيم وفيها راحة البدن

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل ... راح منها بغير القطن والكفن؟!

فيا أخي الحبيب:

أين استعدادك للموت وسكرته؟

أين استعدادك للقبر وضمته؟

أين استعدادك للمنكر والنكير؟

أين استعدادك للقاء العلي القدير؟

وقال سعيد بن جبير: (الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة).

تزود من التقوى فإنك لا تدري ... إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة ... وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وكم من صبي يرتجى طول عمره ... وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

الأسباب الباعثة على ذكر الموت

1 - زيارة القبور، قال النبي: {زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة} [أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

2 - زيارة مغاسل الأموات ورؤية الموتى حين يغسلون.

3 - مشاهدة المحتضرين وهن يعانون سكرات الموت وتلقينهم الشهادة.

4 - تشييع الجنائز والصلاة عليها وحضور دفنها.

5 - تلاوة القرآن، ولا سيما الآيات التي تذكر بالموت وسكراته كقوله تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19].

6 - الشيب والمرض، فإنهما من رسل ملك الموت إلى العباد.

7 - الظواهر الكونية التي يحدثها الله تعالى تذكيراً لعباده بالموت والقدوم عليه سبحانه كالزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف المدمرة.

8 - مطالعة أخبار الماضين من الأمم والجماعات التي أفناهم الموت وأبادهم البلى.

سكرات الموت وشدته

أخي المسلم:

إن للموت ألماً لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم والكرب على القلب، فإن الموت قد هد كل جزء من أجزاء البدن، وأضعف كل جوارحه، فلم يترك له قوة للاستغاثة أما العقل فقد غشيته وسوسة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه، وأزبد، ولكل عضو من أعضائه سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتحيط به الحسرة والندامة إن كان من الخاسرين، أو الفرح والسرور إن كان من المتقين.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان بين يدي النبي ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: {لا إله إلا الله إن للموت سكرات} [البخاري وفي لفظ أنه كان يقول عند موته: (اللهم أعني على سكرات الموت) أحمد والترمذي وحسنه الحاكم]. والسكرات هي الشدائد والكربات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير