لِمَ تغضب وعلامَ تطيش ـ إن كنت أيقنت حقيقة بأن أزمتك لم تكن لتخطئك؟! يجب أن تؤمن بأنه ليس ثمة سبيل إلى التفكير السديد في حالة "انقلاب الأعصاب" و "تسرّب الحِلْم" و "تبخّر الهدوء" وقد تقول: لا بد أن أغضب؛ فهذه أزمة، ثم كيف لا أغضب؟ بكل بساطة أقول لك: إن أردت ألا تغضب فلا تغضب!! ليست هذه فلسفة ولا سفسطة، وإنما توجيه نبوي كريم؛ فعن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني! فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب" فردد مراراً؛ قال: "لا تغضب" (1).
3 - كن واقعياً؛ فقد لا تستطيع تحقيق كل أهدافك:
بعد أن يثوبَ إليك رشدُك وتُمسِك زمامَ عقلك، عليك أن تبادر نفسك بالسؤال:
ما هدفي؟ ماذا أريد بالضبط؟
وبعد أن تحدد أهدافك بدقة احذر من المثالية التي قد توهمك أحياناً بأنك قادر على تحقيقها كلها وفي كل أزماتك التي تديرها، غير أن الواقعية تقضي بغير ذلك؛ فكثيرٌ من الناس - ولعلك كنتَ واحداً منهم - حدَّدوا أهدافاً جيدة ولكنها غير واقعية: إما في عددها أو في مضمونها، ثم راحوا يديرون أزمتهم ويتعبون أنفسهم بغية تحقيقها ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أنهم كانوا يحلُمون!! وربما كان ذلك سبباً في عدم تحقيق شيء من أهدافهم!! إذاً فكن واقعياً من البداية وحدد ما تستطيع تحقيقه من أهدافك في ظل الظروف الراهنة وفي ضوء قدراتك المادية والبشرية.
4 - لا تحرج خصمك!
من الأصول المستقرة في إدارة الأزمات "عدم إحراج الخصم"؛ ذلك أن الخصم في أغلب الأزمات يعتبر شريكاً لا مناص من التنازل له ببعض الأمور، ويرجع هذا إلى عدة أمور من أهمها:
\ انتشار الوعي الإداري والإلمام بأصول إدارة الأزمات.
\ الثورة المعلوماتية أتاحت لطرفي الأزمة معلومات مهمة عن الأزمة وملابساتها.
ليس ذلك فقط هو الذي يدعو إلى "عدم إراقة ماء وجه الخصم"، بل إن إحراج الخصم قد يؤدي به في بعض الأحيان إلى موجة من التهور والطيش تكون سبباً في احتدام الأزمة وإشعال فتيلها.
ويتفرّع عن هذه الوصية ويلزم منها وصية أخرى مفادها:
دع خصمك يتنفس!
ذلك أن الاستعجال في مبادرة الخصم قد يلجئه إلى شيء من الاستعجال الذي قد يصاحبه شيء من التهور؛ وذلك من أجل تقديم الدليل على كامل قدرته على الرد الحاسم والمدروس!!
5 - صعّد تدريجياً:
من الطبيعي في خضم الأزمة أن يحدد كل طرف بدائل متعددة، وتقضي إدارة الأزمات بالبدء بالأخف منها ثم التدرج فيها حتى البديل الأقوى، ومثل هذا التدرج يفيد في:
\ إعطاء الخصم انطباعاً بأنك قادر على الاستمرار في الأزمة بل والتصعيد، مما قد يحمله على التنازل وإنهاء الأزمة بالصورة المطلوبة.
\ تجنب توجيه الأزمة نحو العنف.
وهذا يقودنا إلى التأكيد على ضرورة الاقتصاد في استخدام الموارد المتاحة؛ وذلك أن بعض صانعي الأزمة قد يفتعل في البداية أزمة وهمية (كمين) بقصد استنزاف الموارد وإنهاك القوى، لتظهر بعدُ الأزمة الحقيقة التي قد لا تكفي الموارد الباقية والقوى الخائرة لمواجهتها!!
6 - وسّع نطاق استشاراتك:
قال - تعالى - مبيناً أهمية الاستشارة: وشاورهم في الأمر {آل عمران: 159}، وتنبثق هذه الأهمية من كونها تتيح لمدير الأزمة أن ينظر للأزمة بعقلانية أكثر وطرائق تفكير متعددة، ومن زوايا متعددة، وبنفسيات تختلف تفاؤلاً وتشاؤماً.
إن بعضاً ممن يعانون من الأزمات يستشير الكثير من الناس في أزماتهم، غير أنهم في الحقيقة لا يستشيرون إلا أنفسهم ولا يصدرون إلا عن عقولهم. إنهم أولئك الذين يستشيرون من يحاكونهم في طريقة التفكير والتخصص والخلفية الثقافية والاهتمامات!!
7 - تلمّس دعماً أكبر:
مدير الأزمة الناجح هو من يتلمس دعماً أكبر:
\ باستبقاء المؤيدين بقوة من خلال إقناعهم بالقرار الذي تم اتخاذه وبأهمية تأييدهم للقضية التي آمنوا بمشروعيتها واقتنعوا بضرورتها.
\ وبجذب أكبر عدد ممكن من المترددين والعمل على زيادة تأييدهم؛ وذلك بإطلاعهم على كافة الجوانب التي تزيل اللبس وتقنعهم بسمو القضية، وبالنتائج الطيبة التي ستسفر عنها الأزمة.
\ وبتحييد أكبر عدد ممكن من المعارضين.
8 - استخر واستعن:
لم يبق لك إلا أن تستخير الله - تعالى - وتستعين به؛ فلقد حكى لنا جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّمهم الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، ولاحظ أنه قال: "في الأمور كلها" هكذا، أي في عظيم الأمر وحقيره؛ فما بالك بقرار يتعلق بأزمة، وها هو صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك" الحديث (1).
ثم ختم المؤلف كتابه بفصلين هامين:
الأول: "وهو الفصل السابع" تحدث فيه عن سيناريوهات الأزمة التي عرفها بأنها: "مسلسل متوقع للأحداث والنتائج تجاه قضية معينة"، متناولاً في هذا الفصل كيفية صناعة السيناريوهات وعوامل نجاح مثل هذه الصناعة.
الثاني: "وهو الفصل الثامن": وهو من أهم فصول الكتاب؛ وذلك لأنه يتعلق بالتطبيق العملي، وقد عرض فيه لبعض التطبيقات العملية الناجحة والمخفقة في إدارة الأزمات؛ فقد عرض في التطبيقات الناجحة:
- أزمة بلقيس "قصة سليمان - عليه السلام - مع ملكة سبأ وكيف استطاع أن ينجح في إدارة تلك الأزمة الرهيبة".
- أزمة دواء التلينول "وقعت أحداثها في الثمانينيات الميلادية وهي أزمة مثيرة".
- أزمة الصواريخ الكوبية والتي تعد الأزمة النموذجية في عالم السياسة والتي وقعت أحداثها في عام 1962م بين القطبين آنذاك.
أما التطبيقات غير الناجحة فقد استعرض المؤلف أزمة واحدة فقط هي "أزمة إدارة الأزمات العربية"!!
وما تم عرضه من الكتاب لا يغني عن قراءته واقتنائه لاكتساب المنهجية العلمية في إدارة الأزمات والتعمق في فهم مفرداتها وخطواتها.
والله ولي التوفيق
¥